أ. د.عثمان بن صالح العامر
من باب الحديث بالنِّعم التي منّ الله بها على الإنسان السعودي المعاصر أنه يعيش توافقاً تاماً بين:
* تكوينه الفطري الذي جبله الخالق عليه.
* وبنائه العقلي الذي منحه الرب إياه.
* وانتمائه العقدي الذي يدين الله به.
وولائه السياسي/ الوطني الذي يفتخر ويفاخر به.
* وقلّ مثل ذلك عن عرقه العربي الذي تلازم وجوده القوي وعزّته المتعالية المتواضعة في آن، بارتباطه الفعلي والتزامه الحقيقي بالإسلام ،كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: « نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزّة بغيره أذلّنا الله»، ولذلك الأصل في الشريحة العريضة من السعوديين، أنهم متوافقون مع ذواتهم، منسجمون مع تكوينهم الجبلّي، ومكوّناتهم التربوية، ومقدراتهم الوطنية، وثرواتهم المعنوية الفكرية منها والسلوكية.
في المقابل هناك أناس كثر في أرض الله الواسعة يعيشون حالة التجاذب الفعلي بين دوائرهم الانتمائية المختلفة، وأشد الناس حالاً وأسوؤهم سوءاً، من يعيش حياة خلاف الفطرة التي فُطِر الناس عليها، لا يؤمن برب ولا يعترف بما هو خارج الإدراك العقلي والعالم المحسوس، حتى وإن ادعى وصلاً بعلم، وقدرة على التعايش مع متناقضاته الذاتية التي تجعله أسير حالة الضنك، الخفي السبب المعلوم النتيجة والأثر، ومن بعده من منح عقله سلطة تتجاوز حدود الاستخلاف التي شاء الله عزّ وجلّ أن يظل العبد داخلها ، والثالث من تبدّلت لديه مواقع الولاءات وتناقضت عنده الانتماءات بشكل جعله ضحية الانفصام الذهني اللاشعوري - جراء غياب التوافق النفسي - الناجم عن اهتزاز الهوية غالباً.
إنّ إشكالية الهوية التي تحدد معالم «الأنا» لدى الفرد، و الـ»نحن» للمجتمع والشعب، ليست من الإشكاليات السهلة كما يتصور البعض من المنظرين الأحاديي الفكر الذين طرقوا هذا الموضوع في كتاباتهم الصحفية وأبحاثهم العلمية، بل هي إشكالية ذات أبعاد متداخلة وتقاطعات متعددة وتحديات متجددة ، وخلاف ما تزعمه شريحة من مثقفي هذا العصر من أنّ العلمانية هي الحل الوحيد لهذه الإشكالية الجاثمة على صدور القادة السياسيين والمفكرين الوطنيين والمصلحين الاجتماعيين في المجتمعات المعاصرة، أقول خلاف ذلك فإنّ الإسلام الحق والمنهج الوسطي الصحيح أوجد في ثنايا تعاليمه حلاً ناجعاً لأزمة الهوية، وبياناً واضحاً لبناء العلاقات الداخلية والخارجية في حياة المسلم اليوم، وما أحكام أهل الذمة والمعاهدين - فضلاً عن غيرهم - إلاّ قاعدة صلبة وركنٌ أساس في بناء الوطن الذي يحكم شرع الله ويدين بالإسلام .
إنّ العالم بحاجة ماسة لأن نقدم له ما نملك من حلول فعلية للمشاكل والإشكاليات التي تسلبه السعادة وتحرمه الاستقرار والطمأنينة، من خلال تراثنا الثر وتجاربنا التاريخية بعد تنقيحها وعرضها بلغة العصر وبأسلوب علمي رصين، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام .