زكية إبراهيم الحجي
الطفولة والشباب هما قلب المجتمع النابض بالحياة..وأملها المعول عليه في تحقيق التقدم والارتقاء بالوطن..ولأن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ ويترعرع فيها الأبناء..والمصدر الأساسي الذي يمدهم بالاتجاهات والقيم والسلوكيات المكونة للشخصية،
أي أنها بمثابة حجر الزاوية في التكوين الجسمي والنفسي والعقلي والبناء الاجتماعي..ولأن التنشئة الاجتماعية للأبناء عملية مستمرة لذا لا يمكن أن نُغفل الدور التكاملي للمؤسسات الأخرى كالتعليم والإعلام في عملية التنشئة الاجتماعية حيث يعتبران من أهم الوسائط الحتمية لعملية تنشئة الأبناء اجتماعياً..وعلى عاتقها يقع الدور المكمل لاستمرارية التنشئة وإعدادهم للمستقبل من خلال تفاعل مشترك بين الأسرة النواة الأولى والجوهر الحقيقي الذي يحتضن الابن..وبين التعليم والإعلام الذي يسهم في تعزيز وتأصيل ما بدأته الأسرة، ولئن كان النظام التعليمي يحتل المساحة الأوسع بعد الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية..فإن الإعلام وعلى وجه الخصوص الإعلام المرئي يلعب دوراً هاماً لكونه وسيلة تربوية وثقافية أوسع انتشاراً وتنوعاً وتأثيراً على الأفراد باختلاف شرائحهم المعرفية والمهنية كما أنه عنصر أساسي يسهم في عملية التنشئة الاجتماعية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فإذا كنا لا نختلف على أهمية الدور الفاعل لوسائل الإعلام وبالذات الإعلام المرئي..وإذا كان دور المؤسسة الإعلامية لا يقل أهمية عن دور المؤسسة التربوية والتعليمية في تنشئة الأجيال إلى جانب المؤسسة العائلية..فأين يكمن الاختلاف إذن..ومن الذي يربي أبناءنا نحن أم وسائل الإعلام..وهل الإعلام المرئي وهو الأشهر والأعم استطاع أن يقدم للناشئة مواد إعلامية بمحتوى تربوي وتثقيفي..تعليمي وترفيهي يهدف إلى ترسيخ منظومة القيم الأخلاقية والمحافظة على الهوية الوطنية ودعم الإبداع في مختلف المجالات والإسهام في بلورة اتجاهات وقدرات وسلوكيات الناشئة بما يخدم المجتمع والوطن..أسئلة تدور في ذهن أولياء أمور ويطرحها تربويون ومختصون في علم الاجتماع وعلم النفس لما للمؤسسة الإعلامية من دور لا يقل قيمة عن دور المؤسسة التربوية في التنشئة الاجتماعية للأطفال والشباب، فإذا كانت وسائل الإعلام على تعدد أنواعها أصبحت جزءاً من حياة الأسرة والمجتمع ولا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال فإننا في حقيقة الأمر أمام معضلة جسيمة تتمثل في التناقض بين ما نربي عليه أبناءنا وبين ما يُعرض على القنوات الفضائية من برامج تنعكس سلباً على الناشئة ولا يقتصر ذلك على جانب واحد بل قد يتعداه إلى جوانب أخرى إما دينية أو أخلاقية وإما أمنية وصحية..كذلك لابد من الاشارة إلى قضية هي في غاية الأهمية والخطورة وربما غات عن أذهان الكثير ألا وهي قضية»العنف الرمزي»وهو العنف الذي يتخلل الكثير من البرامج التلفزيونية الموجهة وخاصة برامج الأطفال بطريقة غير مباشرة..والعنف الرمزي كما يعرفه عالم الاجتماع الفرنسي «بيار بورديو»بأنه عنف غير فيزيائي وهو شكل لطيف وغير محسوس ويُستغل بذكاء عبر تمريره من خلال وسائل الإعلام فيسهل بذلك تحقيق الأهداف بأقل تكلفة وبفعالية أكثر، وهذا النوع من العنف يعتبر من أخطر أنواع العنف على الناشئة لكونه يتسم بصفة الاختفاء وعدم الوضوح في البرامج التلفزيونية الموجهة بمعنى أشياء يتم إخفاؤها عن طريق عرضها..هذه الجرعات التي تتغلغل وتنساب بهدوء وبلا ضجيج في عقول الأبناء هي المفسدة والمؤذية والمسممة لعقول الأبناء من حيث لا نشعر..يقول الباحث الانجليزي»هال بيكر»المتخصص في غسيل الأدمغة عن طريق الإعلام المرئي (إن غسل الأدمغة يأتي عن طريق قوة الأفكار والصور والتأثيرات التلفزيونية..وفن غسل الأدمغة عن طريق الإعلام المرئي يتم من خلال قوة الإيحاء وبالتالي فإن الاعتياد عليه بشكل تدريجي يؤدي إلى الإدمان..وما يوحي به البرنامج التلفزيوني على أنه الواقع يتحول إلى واقع في ذهن المدمن المتلقي..لذا فلنحذر جميعاً من ترك أبنائنا الناشئة أسرى لشاشات التلفاز لأنه لم يعد بمقدورنا أن نمنع هذا السيل من البرامج وهذه حقيقة واقعية ولكن لا بد وبقدر الإمكان تقليل الآثار السلبية على أطفالنا وشبابنا..وربما مقولة (أعطني إعلاماً بلا ضمير..أهبك شعباً بلا وعي) والمنسوبة «لبول جوزيف»وزير الدعاية النازي فيها من الصحة الشيء الكثير.