فيصل أكرم
غادرتُ بيروت إلى القاهرة محملاً بمجموعة من الدواوين لشاعرين كبيرين عرفتهما عن قرب لأول مرة، وانعقدت بيننا صداقة أدبية حميمة بعد أن جمعت بيني وبينهما الأخت الإعلامية الشاعرة د. نوال الحوار، شقيقة الأديبة الراحلة فريال الحوار التي ما كدتُ أكمل حزني على رحيلها المفاجئ السريع لحاقاً بزوجها المرحوم خليل حتى ضاعف من حزني خبرٌ مفجعٌ ثالث، عرفته مؤخراً، وهو لحاق ابنتهما الشابة الآنسة نور.. في حادث سير أودى بحياتها التي لم تكمل سبعة عشر ربيعاً.. لتأخذ مكانها إلى جوار والديها في إحدى مقابر الرياض.. رحمة الله عليهم جميعاً، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أعود إلى دواوين الشاعرين العزيزين، بلال شرارة.. وهو رئيس الحركة الثقافية في لبنان، وعبد القادر الحصني.. وهو مدير تحرير مجلة مقاربات الصادرة عن الحركة الثقافية في لبنان، وقبلها كان مديراً لتحرير عدد من الصحف والمجلات الأدبية في سوريا ومنها الموقف الأدبي والأسبوع الأدبي وغيرهما..
في ديوان عبد القادر الحصني (كأني أرى) استوقفتني قصيدة لو لم أقرأها في هذا الديوان كنتُ كتبتها (!) وذلك هو الشعر، كما قال الشاعر الراحل د. غازي القصيبي - رحمة الله عليه: (الشعر الحقيقي هو الذي تجد فيه نفسك.. نفسك أنت). ونكرر الدعاء بالرحمة على كل الأحبة الذين فقدناهم حتى شعرنا بأننا قد فقدنا أنفسنا معهم.
يقول عبد القادر الحصني في قصيدة (إمض يا ذئب):
عمتَ ليلاً أيها الطارقُ في هذا الظلامْ
شدّكَ الجوعُ إلى ناري
فضيفي أنتَ
لا تيأسْ من الزادِ
ولا تبدِ انكساراً
فكلانا يرتدي من جلده ثوباً، يداري الحرَّ والقرَّ
كلانا جلده خيمته فوق العظامْ.
هاكَ من زادي،
ازدرد ما شئتَ
واشرب من قراح الماءِ
مثلي لا يرجّي من مثلكَ.. عيناكَ كلامْ.
بل أرجّي النطقَ، لو تستطيعُ
حدّثني صديقاً لصديقْ
كيف أهوالٌ على رأسكَ مرَّتْ
كيف هذا الواسعُ الشاسعُ من منبسطِ الرملِ يضيقْ.
أمّا بلال شرارة، فبرغم مناصبه الثقافية الرفيعة التابعة نظاماً إلى إحدى الجهات اللبنانية التي قد نختلف معها سياسياً أو نتفق – سيّان – فهذا شأنٌ يبقى لعبة مؤقتة لا تؤثر في حركة الشعر والأدب والثقافة العابرة على كل هذه الأشياء إلى انتماء إبداعي يمتد نحو خلود في الذاكرة المعرفية المتراكمة من جيل إلى أجيال..
يقول بلال شرارة في ديوانه (نقطة أول الشعر):
لأني ليس لديّ سوى الشِعرِ
ليس لديّ سوى ما أقولُ
رهيفاً كسيفٍ
شفيفاً كطيفٍ
خفيفاً كمثل سحابةِ صيفٍ
يقاربُ صمتي
فكيف أقاربُ بحراً؟
وكيف تكونين لي؟
هل يراود بحرٌ من الشعر بحراً من الملحِ؟
قلتُ: لعلّي.
وقلتُ: سأفتحُ باباً عليكِ،
وسوف أقلّب جمرَ كلاميَ بين يديكِ
لعلّ المياهَ التي تعتريكِ تجفُّ
وطيراً على ما تداعى من الغمر عنكِ يرفُّ.
وبعد، فالشعر يبقى الانتماء الأصدق في هذه الحياة المتقلبة دوراناً بين أدوارها، والعلاقة الشعرية بين الأصدقاء هي الأطول عمراً بين العلاقات والأكثر حميمية حتى بعد الممات. فتحية مني لكل الشعراء الذين عرفتهم في حياتي وحيواتهم، والذين لم أعرف منهم سوى قصائدهم؛ فبها قد عرفتهم أكثر.