د. عبدالواحد الحميد
لا أتحدث عن الحملات «المليونية» التي تظهر عندنا بين الحين والآخر لـ «إنقاذ» رقبة قاتل، فيتم جمع عشرات ملايين الريالات من متبرعين بدافع الحماس للقبيلة أو للجماعة أو بدافع الإحراج، والتي يعقبها التقاط الصور للقاتل بعد العفو عنه وإبرازه كما لو أنه بطل يستحق التمجيد أو أنه هو القتيل وليس القاتل! فهذه الحملات «المليونية» وما قادت إليه من مُبالغة في مقدار الدية التي تطلبها أُسرة القتيل، وما تسببه من إحراجات للناس لكي يتبرعوا حتى لو كانوا هم أنفسهم بحاجة لمن يتبرع لهم بسبب ضيق ذات اليد، هي موضوع آخر ليس مجاله هذا المقال.
ما أكتب عنه، هنا، هو الحملات التي تتبنّاها بعض الدول وبعض جمعيات حقوق الإنسان في العالم وذلك لإلغاء عقوبة الإعدام، ووصف تلك العقوبة بأنها ممارسة وحشية لا تليق بالإنسان ولا يجدر تطبيقها بحقه مهما كانت جريمته!!
ربما تكون الدوافع «الإنسانية» المجردة للمطالبين بإلغاء عقوبة الإعدام نبيلة وجديرة بالتفهم، ولكن هل يكفي أن تكون الدوافع نبيلة لكي تكون النتائج نبيلة أيضاً؟ ألا يقول المثل السائد في بعض المجتمعات التي ألغت عقوبة الإعدام إنّ «الطريق إلى جهنم مُعَبَّد بالنوايا الحسنة»؟
لقد أعلنت المملكة مؤخراً عن عدم اتفاقها مع تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المؤيد لإلغاء عقوبة الإعدام، وأوضحت أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف أنّ إلغاء عقوبة الإعدام هو في النهاية بمثابة وقوف إلى جانب القاتل على حساب القتيل الضحية. وهذا نسف لموازين العدالة، وهدر لحقوق الإنسان وليس تدعيماً لها.
إنّ المهم هو أن يحظى الشخص المتهم بالقتل بمحاكمة عادلة وعلنية، وأن تتسنى له الفرصة الكاملة للدفاع عن نفسه في بيئة عدلية مناسبة، وأن تكون الجرائم التي عقوبتها الإعدام فادحة مثل جرائم القتل وتهريب المخدرات والإرهاب، فإذا ثبت تورط شخص ما في مثل هذه الجرائم وثبتت إدانته بالدليل القاطع، فإنّ تطبيق عقوبة الإعدام بحقه هو انتصار للحق والفضيلة وردع للجريمة وحماية للمجتمع؛ فلماذا يتم وصف عقوبة الإعدام دائماً على أنها عقوبة وحشية!؟ أليست الوحشية الحقيقية هي الاعتداء على النفوس بالقتل والإرهاب، وتهريب وترويج المخدرات التي تنسف المجتمعات وتنخرها من الداخل؟ وهل من المعقول قبول كل تلك المفاسد والمصائب من أجل حماية حياة إنسان قاتل؟
مَنْ يطالبون بإلغاء عقوبة الإعدام يقولون إنّ تطبيق العقوبة لم ينجح في ردع جرائم القتل، وهذا الادعاء تنسفه الحجج التي يقدمها الطرف الآخر؛ لكن الثابت أننا في هذا الزمن الذي صارت «حقوق» الشواذ والقتلة واللصوص أهم من حقوق الضحايا والقتلى والناس الأسوياء، لم نعد نستغرب ما ورد في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة!
إنّ تطبيق عقوبة الإعدام بحق القاتل هي قمة العدالة وليست ممارسة وحشية وهي انحياز للحق وللحياة، أما إلغاء عقوبة الإعدام فهو تشجيع للجريمة وتدمير للحياة.