د. حمزة السالم
كثير من الناس ينصرف ذهنه عند ذكر لفظ المال إلى النقد ـ أي العملات ـ. وما النقد إلا مال من الأموال. وإنما سمي النقد نقدا من التمييز. وانصرف للذهب والفضة لأنهما كانا يُنقدان ويُسكان في أشكال تتبع مصدر الدولة التي سكتها. والدينار هو وزن الذهب المسكوك والدرهم هو وزن الفضة المسكوكة.
وأما المال لغة وشرعا هو كل شيء يُحاز، وله قيمة يمكن قياسها، يُباع ويُشرى ويمكن تملكه -خيارا أو جبراً-، فهو مال. فسيارتك التي تركبها مال، وثوبك الذي تلبسه مال. وحيازتك على حق طباعة، أو ماركة تجارية، هي أموال محترمة كأي مال آخر من نقد أو إبل أو غنم أو عقار أو ذهب أو بترول او غيرها، فكل هذه أموال. والمنفعة المالية المُقدرة بقيمة معلومة يمكن تحديدها، هي كذلك مال. كحق الاستنفاع بما تملكه كشقة أو منزل وتريد تأجيره على الغير، وكحق الانتفاع بالخدمة كاستشارة طبيب أو محامي، فكل هذه أموال. وغلب على تسميتها بالمنفعة لتمييزها بأن ليس فيها تملك للأصل بل هو حق انتفاع به. وهو حق ذو قيمة محازة، ويملك أصلها أو منفعتها وتباع وتشرى.
فالمال هو: كل قيمة مُحازة تُتملك وتُباع وتُشرى. والشيء تكون له قيمة طالما كان يستحق الاحتفاظ به. فالقيمة إذاً تكون مساوية لاستحقاق الحفظ أو عدمه للشيء. فالمُقيَم تكون قيمته التي قُيم بها من استحقاقية الاحتفاظ به عند المُقيم. وينبي على هذا أن القيمة قد تكون إيجابية أو سلبية. فقد يمتلك الإنسان شيئا مالا ذا قيمة سلبية، سواء أكان خيارا منه، كنفايات مصنعه أو منزله، أو بغير خيار كأن يرث دين والده.
فالشيء الذي لا يستحق أنه يُحتفظ به وقد دخل في احتفاظ الشخص ولا يستطيع التخلص منه إلا ببذل قيمة تخلصه من الاحتفاظ به فهو ذو قيمة سلبية. فامتلاك عبدٍ مجنون مؤذ، بشراء أو إرث هو مال ذو قيمة سلبية. لذا فالنفايات والديون تعتبر أموالا.
وهي تُتبادل بين الناس في الأسواق وفي غيرها؛ فهي معاملات تبادلية مالية تدخل في أحكام الربا ولها تطبيقات ومسائل كثيرة متعلقة بها.
ودليل المال ذو القيمة السلبية له شاهد لغوي في القرآن. فالبيع هو الشراء، إلا أنهما لغويا عند العرب، كلمتان تفترقان في المعنى إذا اجتمعتا وتجتمعان في المعنى إذا افترقتا. لقوله تعالى في إخباره عن بيع السيارة ليوسف{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} (20) سورة يوسف، بينما هم قد باعوه. وقد تعارف الناس على أن البيع هو إعطاء للسلعة وأن الشراء إعطاء للثمن.
ولغة القرآن وألفاظه دقيقة جدا وتحمل إعجازا تشريعيا، يظهر أينما أخلص الإنسان في تمسكه بالوحي من كتاب وسنة في تعبده لله. فيوسف كان ذا قيمة سلبية عند إخوته، وإن كانوا قد حصلوا على قيمة إيجابية مقابله، فاستخدم القرآن لفظ شروه بدلا من باعوه. لأن العرف ينصرف أن البيع فيه تخلي عن قيمة ايجابية. فمثلا، قد يقال اشترى أو يقال باع للمتورط بنفايات مصنعه، ويريد التخلص منها. فإن قال باع فهو في الواقع قد شرى خلاصه منها حسب عرف الناس في أن البيع أخذ والشراء عطاء.
وليس كل شيء له قيمة يُعدُ مالا. فهناك منافع لها قيمة عظيمة، ويراد الاحتفاظ به، كالجاه مثلا، ولكن لا يمكن حيازته وقياس قيمته. فالشفاعة والإحسان والمعروف والواسطة وغيرها كلها لها قيمة، لكنها غير مُحازة فلا تعد مالا.
والمال لا تنعقد به أحكام شرعية ولا قانونية ما لم يُتملك. والتملك يدخل على ذمة الشخص خياراً أو جبراً. فلا يلزم الخيار في التملك.
والتملك هو نسبة الشيء ذو القيمة المُحازة لشخص أو لذمة مالية، تعطي المالك حق التصرف الكامل بالشيء. إذاً فتملك الشخص لشيء ذي قيمة لا يعني اعتبار هذا الشيء مالا في الشرع إذا مُنع من حق التصرف به بمانع شرعي أو نظامي. فالمال المعتبر في أحكام الزكاة و الربا، هو المال الذي يُتصرف به ويباع ويُشترى.
فقد يمتلك الإنسان مالا بخياره، كأن يشري أرضا فيها محمية داخل منزله أو مزرعته. وهو ممنوع نظاما من الانتفاع بها، باحتطابها، وممنوع بالتصرف بها بتغيير معالمها أو التبرع بشيء منها. وإن كانت تدخل كأرض لها قيمة محددة في ملكيته للمنزل أو المزرعة. أو يتملك تمثالا ذهبيا لكونه في أرضه، لكن ممنوع من التصرف فيه مطلقا. فهذا ذهب وهذه أرض لا زكاة عليه فيها؛ لأنه لا تُعد مالا وإن كان مالكا لها. والعقل لا يلزم ذلك فقد يُفرض ضريبة على مالكها. والحجة هي أن في تملك التمثال أو الأرض ونسبتها للشخص اعتبارات اجتماعية او سياسية او ضمانات من بناء عليها ونحوه. فقد تكون مالا في النظام وليست بمال في الشرع.