د. عبدالواحد الحميد
يظل الغش التجاري مشكلة كبيرة سواء كان مَنْ يمارسه شركةٌ كبرى مشهورة مثل «فولكس واجن» التي حاولت التربح عن طريق غش زبائنها أو كان مَنْ يمارسه بائعُ السندويتشات الصغير على قارعة الطريق؛ فهو من طبيعة واحدة بصرف النظر عمَا إذا كانت السلعة المغشوشة سيارة غالية الثمن أو مجرد سندويتش أو حتى «حزمة فجل».
فممارسة الغش التجاري تكون جذابة ومغرية للكثير من البائعين إذا علم البائع أن لا أحد سوف يكتشف غشه، والنفس البشرية كفيلة باختراع المسوغات والذرائع التي يبرر بها البائع غشه! ومِن ذلك إطلاق أسماء أخرى على الغش فليس من المريح أن يعترف التاجر - حتى لنفسه - بأنه «غشاش»، وليس من الصعب أن تسعفه المصطلحات التسويقية بأسماء لطيفة أخرى!
لكن غلطة الشاطر بألف، كما يُقال، وهذا ما وقعت فيه شركة السيارات الألمانية «فولكس واجن» عندما تعمدت برمجة بعض سياراتها بطريقة تحجب المعلومات الحقيقية عن فداحة التلوث الذي تسببه تلك السيارات! وقد تم اكتشاف ذلك وافتضح أمر الشركة مما سبَّب لها خسارة مليارات الدولارات في سوق الأسهم في يوم واحد. أما الخسائر والغرامات الأخرى والسمعة التي ذهبت مع الريح فتُقَدَّر بأضعاف ذلك! وقد اعترفت الشركة بالمخالفة الفظيعة التي ارتكبتها في بيان ينضح بالندم الحقيقي أو المفتعل وبالكثير من الخزي والعار.
كان يمكن أن تمر هذه العملية الاحتيالية دون أن يلحظها أحد مثلما يحدث ملايين المرات يومياً في مختلف أنحاء العالم. فما أكثر حالات الغش التي يتعرض لها المستهلكون ولا يعرفون عنها شيئاً أبداً أو يعرفون بعد فوات الأوان أو يعرفون ويصمتون لأنهم يدركون أن بعض الغشاشين أقوى من جميع المستهلكين.
لقد قرأنا عن حالات غش متزايدة في سوقنا المحلي في الآونة الأخيرة ليس لأن بعض التجار صاروا فجأة غشاشين وإنما لأن وزارة التجارة عندنا صارت أكثر صرامة ومتابعة وأصبحت تملك «الإرادة» في تطبيق النظام.
من المؤسف أن الغش التجاري ظاهرة موجودة وتعرفها الأسواق منذ الأزل ولن تختفي، لذلك يبقى الدور الأساسي للقانون الذي يجب أن تنفذه أجهزة رسمية بإرادة سياسية جادة والوعي الذي يجب أن تعمقه أجهزة مدنية لحماية المستهلك وتبصيره بحقوقه ومساعدته على انتزاعها من أيدي الغشاشين.