يوسف المحيميد
في الوقت الذي قدمت فيه واشنطن وغيرها واجب العزاء لشهداء الشارع 204 في منى، كانت الدولتان الإسلاميتان تركيا وإيران تنتقدان الجهود العظيمة التي تقوم بها المملكة منذ عشرات السنوات، والتطوير المذهل في المشاعر، سواء في رمي الجمرات، أو في التفويج من عرفة إلى مزدلفة، في إنشاء قطار الحرمين، الذي ينقل الحجيج في سبع دقائق، بعدما كانت الحافلات تقضي أكثر من سبع ساعات نتيجة حركة مرورية خانقة، لنقل نحو ثلاثة ملايين حاج خلال ساعات محدودة.
صحيح أن وقوع مثل هذا الحادث، أعني تزاحم الحجاج في التقاء شارعين بمنى، ووفاة أكثر من سبعمائة حاج هو أمر يحزننا جميعاً، رغم أن العالم كله تقع فيه حوادث مشابهة، حتى في أكثر دول العالم تقدماً، إلا أن إيماننا بما تقدّمه الدولة، ويقيننا أن خدمة حجاج البيت هو شرف لها، ولنا كمواطنين، يجعلنا لا نقبل أي تقصير في خدمتهم وحمايتهم، وهو ما صدر بتشكيل لجنة عليا لإجراء تحقيق عاجل في أسباب هذا الحادث المفجع!
فمنذ عشرات السنين كانت الحوادث تقع في الحج غالباً لأسباب تتعلّق بجهل حجاج بعض الدول، ورفضهم اتباع تعليمات المنظمين وتوجيهاتهم، وذلك في خط سيرهم نحو الجمرات، والعناد بالعودة من نفس الطريق، مما يوجد حالات تصادم مع آخرين في طريقهم لرمي الجمرات.
هناك سبب يحيل ما حدث إلى أن ثمة حملات قامت بتصعيد حجاجها عبر حافلات، وليس من خلال قطار المشاعر، حيث تم إنزالهم في تقاطع شارع 204 مع شارع 223 الذي تزامن مع قدوم الحجاج الذين حل موعدهم للتصعيد إلى الجمرات، فوقع التصادم، وإذا كان ذلك صحيحاً، فما الذي جاء بالحافلات هنا؟ ولماذا لم تلتزم حملات الحج بالتعليمات، واستخدمت الحافلات بدلاً من قطار المشاعر؟
علينا ألا نلتفت للحملات المسعورة التي سيشنها المتربصون بالمملكة، سواء من بعض الدول، أو الأشخاص الذين ينطلقون من أجندات مكشوفة، علينا ألا ننساق خلفهم، وننشغل بضجيجهم المجاني، وإنما نستمر في العمل بدأب وإخلاص، كما فعلنا عشرات السنين، على خدمة حجاج بيت الله، وتطوير المشاعر عاماً تلو عام، علينا أن نراجع تقريرنا السنوي عمَّا حدث في الحج من أخطاء وهفوات، حتى لو كانت بسيطة، كي نسعى إلى الكمال في أداء هذه المهمة الجسيمة، فاستضافة مليونين إلى ثلاثة ملايين حاج، خلال بضعة أيام، وفي مكان محدد وصغير، هو أمر ليس سهلاً أبداً، ولولا هذه الإمكانات الهائلة، والجهود المخلصة، لما وصلت شعيرة الحج إلى هذا الحد من السهولة واليسر والتطور الملحوظ.