د. خالد محمد باطرفي
«إذن هل الاتنتقادات الإيرانية للسعودية في شأن حوادث الحج، والمطالبة بتدويل إدارته، سياسية الدافع؟»، يسألني مذيع «بي بي سي الفارسية،» بعد أن استعرضت معه تاريخ إيران في مشاغبة المملكة منذ دعوة زعيمها روح الله بن مصطفى الخميني لتسييس الحج وتصدير الثورة والتشيع. أجبته باختصار: «نعم.. هي السياسة في أسوأ أشكالها، وأبشع أحوالها!»
التدافع لتحقيق المصالح وتنفيذ الإستراتيجيات الوطنية، هو لعبة القوة والنفوذ بين الأمم. والسياسة والاقتصاد والعسكرية أدوات تنفيذية تسعى كل دولة من خلالها إلى تحقيق مآربها. وفي سباق التنافس الكوني تشكل توافق أممي حول أطر وقوانين هذه اللعبة، ومن بينها الدفاع عن حقوق الإنسان، والحفاظ على البيئة والتراث العالمي، وعدم تعريض الشعوب للقتل والأوطان للتدمير.
على أن من أبرز ما توافقت عليه الأمم هو تجريم خطاب الكراهية والعنصرية والطائفية، بعد أن شهد العالم ما يمكن أن تؤدي إليه من خراب ودمار، كالحرب الدينية التي دامت قرنين في أوروبا (السادس والسابع عشر)، والحربين العالميتين في القرن الماضي التي ذهبت الثانية منها فقط بحياة خمسين مليون إنسان، وأضعافهم من المصابين، وأعادت الحضارة الإنسانية أجيالاً إلى الوراء.
واليوم، يشهد العالم مرة أخرى إشعال دولة فاشية لفتنة دينية وعرقية مدمرة، بدأت بعراق التسامح ولبنان التوافق وسوريا القومية، لتصل إلى يمن التآخي، حتى داخل الأقليم الواحد والأسرة الواحدة.
ولأن الأمر يتعلّق بأمة الإسلام، التي يعتبرها بعض قادة العالم منافسة على النفوذ الكوني، وتنظر إليها بريبة وتحفظ بعض تياراته الدينية والسياسية، فقد سُمح لإيران العبث بأمن المنطقة وتفتيتها، حتى يسهل تقاسمها بين قوى الاستعمار الجديد، بالهيمنة السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية.
إن أسوأ وأخطر الأدوات المحرّمة في التنافس الدولي استغلال العقيدة. وإيران لا تجد حرجاً في تأجيج الصراعات الدينية في سبيل تحقيق مصالحها الدنيوية. فمن أجل استعادة الإمبراطورية الساسانية الوثنية (226 - 651م) (نسبة إلى الكاهن الزرادشتي ساسان وبلغت تركيا والشام وفلسطين، وجنوب وشرق الجزيرة العربية ومصر، إلى أن فتحها المسلمون)، ها هي اليوم تثير الفتنة المذهبية حتى تضعف المجتمعات العربية، وتسيطر من خلال قوتها المزروعة والمدعومة، حتى ولو كانت أقلية ضئيلة، كالحوثية والعلوية. ولا بأس أن تخاطر بهم بالخروج عن الإجماع الوطني والولاء للأجنبي واستعداء الأغلبية، وأن تدفع بهم في محرقة صراعات محلية وخارجية، لا مصلحة لهم فيها، فأبناء العرب كانوا وما زالوا في مفهوم الاستكبار الفارسي علف المدافع.
ونسك الحج المقدس لم ينج من توظيف إيران ولو لمجرد إيذاء المضيف العربي وعرقلة جهوده والإساءة لإنجازاته. فالحاج الإيراني الذي كان أيام الشاهنشهاية مثالياً، تحول إلى أداة من أدوات الدعاية السياسية والمذهبية، والتخريب الممنهج.
كل زعماء العالم قدَّموا تعازيهم في ضحايا حادث تدافع منى، إلا إيران، التي استبقت نتائج التحقيق لتوجه اللوم للقيادة السعودية، وتحمّلها المسؤولية بلا دليل أو برهان. وكأنما خشوا أن ينكشف أمر ما دبر بليل، أو كأنما هي فرصة استثمار سياسي لا يمكن التفريط بها. والأيام بيننا...!