أ. د.عثمان بن صالح العامر
أعادتني الأحداث الأخيرة التي حدثت على ثرى أرضنا الطاهر، بلاد الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية، صبيحة يوم عيد الأضحى المبارك «الخميس الماضي»، سواء ما كان منها على صعيد منى، أو ما حدث في قرية إسبطر التابعة لمحافظة الشملي في منطقة حائل، التي تبعد عن حائل المدينة 162 كم غرباً.. أعادتني هذه وتلك إلى ما قاله صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله - قبل كل هذه الأحداث الدامية والمحزنة والأليمة بسنوات طويلة في ثنايا حديثة الصريح والصحيح للعلماء وطلبة العلم ورجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه البلاد المباركة، الذي منه:
* (... أقولها بكل وضوح وصراحة: نحن مستهدفون في عقيدتنا، ونحن مستهدفون في وطننا).
لقد حدد - رحمه الله - الاستهداف في أمرين: «العقيدة» و»الوطن». وكان من نتاج الاستهداف الأول على سبيل المثال لا الحصر تسلل وتسرب الفكر التكفيري الداعشي الخطير لشاب لم يجاوز العشرين من عمره، يعيش في قرية صغيرة، عُرف عن أهلها البساطة والطيبة والكرم والشهامة والنخوة والمروءة منذ أسسها الشيخ عودة بن سعد بن عائض الرشدان - رحمه الله تعالى - حتى اليوم وإلى الغد.. فضلاً عن انتمائهم لقبيلة يشهد تاريخها على الولاء والطاعة والنصرة والمحبة لقيادة هذه البلاد المباركة والدوحة السعودية الوافرة الظلال، والألفة والتواصل مع مجتمعهم المحلي والداخلي. أما استهداف الوطن فإن أصابع الاتهام تشير إلى ضلوع قوى خارجية مسنودة ومدعومة وموجهة من إيران الفارسية لزعزعة الأمن السعودي الداخلي، وترويع الحجيج وإخافتهم، وبث الفرقة وزرع الفتنة في ربوع بلادنا الآمنة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
* (... أقولها بكل وضوح وصراحة لعلمائنا الإجلاء، ولطلبة علمنا، ولدعاتنا وللآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ولخطباء المساجد: دافعوا عن دينكم، دافعوا عن وطنكم، دافعوا عن أبنائكم، دافعوا عن الأجيال القادمة).
إن في هذا الجزء من النص:
1 - شهادة ضمنية من رجل خدم هذه البلاد المباركة طوال ستة عهود، وكان وزيراً للداخلية قرابة سبعة وثلاثين عاماً، شهادة تفوق وامتياز لرجال أمننا الأشاوس، مضمونها أن هؤلاء الأبطال يقومون بدورهم المنوط بهم على أكمل وجه وفي أحسن صورة، ولا أدل على ذلك من تلك الصور الرائعة والمعبرة التي تنقلها وسائل الإعلام المحلية والعالمية ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لرجال الأمن والجيش والحرس وأبناء الوطن في المشاعر وحول المسجد الحرام، وعلى الحدود وفي الثغور وحين منازلة العدو ومواجهة الدواعش. وهنا أسجل لسعادة مدير شرطة منطقة حائل وزملائه الأفذاذ الموقف البطولي الذي قاموا به حين إلقاء القبض على ما أطلق عليه «الداعشي قاتل ابن عمه» بمتابعة وتوجيه من لدن مقام سمو ولي العهد وزير الداخلية، وسمو أمير المنطقة وسمو نائبه - حفظهم الله ورعاهم -.
2 - إشارة واضحة ودقيقة إلى أن المسؤولية العقدية والوطنية مسؤولية مشتركة، والعمل متكامل، والحرب الموجهة لنا في المملكة العربية السعودية ليست حرباً عسكرية فحسب، بل هي في الأساس حرب عقيدة وفكر؛ لذا لا بد أن يقوم العلماء والدعاة والخطباء والمحتسبون بدورهم إزاء هذا الاستهداف المبرمج للعقيدة الإسلامية السلفية الصحيحة، وللمملكة العربية السعودية قيادة وشعباً وأرضاً، دفاعاً عن الدين والوطن والذرية.
* (... يجب أن نرى عملاً إيجابياً). وهذا يستلزم وضع استراتيجية وطنية، يشترك الجميع في صياغتها، ومن ثم تنفيذها، تكون واضحة الرؤية والرسالة، محددة الأهداف بشكل دقيق؛ إذ لا يجدي في مواجهة مثل هذه الحرب الشمولية الشرسة الأهداف العامة ولا الضبابية، وحتى يتمكن صناع القرار والمستشارون المختصون من قياس النتائج خلال فترة زمنية معينة، يُنص عليها ضمن الاستراتيجية الوطنية للدفاع عن العقيدة والوطن.
* (... نستعمل القنوات التلفزيونية ولنستعمل الإنترنت). هنا يتحدث - رحمه الله - عن الوسائل التي يمكن أن نوظفها لمواجهة هذا الاستهداف العلني الصريح. وأترك الحديث عن تداعيات ما يعرف بحرب العالم الافتراضي عبر الشبكة العنكبوتية «الإنترنت»، وأثرها في استقرار الأوطان وسلامة العقائد والأفكار لمقال قادم بإذن الله، مع العلم أنها ليست المرة الأولى التي أعرج فيها على وصية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله - وأقف على مضامينها الثرة، ولن تكون الأخيرة ما دام الاستهداف قائماً، والجرح غائراً، وضحايا الفكر وسراق الوطن الطابور الخامس يغردون ويبثون السموم، ويقتلون ويهددون ويعلنون البراءة والتكفير.
حفظ الله بلادنا، وحمى عقيدتنا، وحرس قيادتنا، ونصر جندنا، وأدام ألفتنا ووحدتنا والتفافنا حول ولاة أمرنا. ودمت عزيزاً يا وطني. وإلى لقاء. والسلام.