إبراهيم عبدالله العمار
رأينا في مقالات سابقة نظامين من التفكير يحركان العقل، النظام 1 وهو السريع الآلي (يتعامل مع أشياء مثل عمليات جمع بسيطة، تمييز مصدر صوت)، والنظام 2 وهو البطئ المتأنّي (تعبئة نموذج، المقارنة بين سلعتين). كذلك رأينها أنه يصعب الاستمرار على النظام 2 طوال الوقت لأنه يستهلك طاقة عقلية، وتطرّقنا لأن الانتباه له طاقة محدودة، فهو من الموارد العقلية، والموارد تَفنى وتنضب. ومن الموارد الموجودة في العقل: الإرادة.
إن الإرادة من الأمور الهامة التي يحتاجها الناس والتي يناقشونها باستمرار. ترى الكثير من الناس (وربما أنت منهم) ممن يقول: أريد أن أنقص وزني لكن إرادتي ضعيفة. أرغب التوقف عن أكل الحلويات لكن ليت إرادتي أقوى. ليتني أترك التدخين لكن إرادتي...! وهلم جرا.
من الاكتشافات التي علمناها اليوم شيء يجب أن تعرفه قبل أن تحاول فعل شيء أو التوقف عن عادة ضارة: إن الإرادة تنفد. إذا أجبرت نفسك على شيء (مذاكرة شاقة مثلاً) فستنقص قدرتك على ضبط النفس والإرادة إذا أتى شيء يحتاجها، كأن تمتنع عن طلب الحلوى بعد الغداء. تجارب العالم روي بومايستر أظهرت هذا، فَعرضَ فلماً يثير المشاعر وطلب من متطوعين أن يكتموا مشاعرهم، بعدها طلب منهم اختباراً جسديا فكان أداؤهم أسوأ من غيرهم. من تقل إرادته بهذه الطريقة أكثر عرضة لأن يستسلم وتضعف همته.
من الأشياء التي تُنفِد الإرادة:
- كبت المشاعر عند موقف مؤثر.
- محاولة إثارة إعجاب الآخرين.
- التعامل بلطف مع شخص سيء الطباع.
ومن أعراض هذا النفاد:
- الخروج عن الحمية.
- الإسراف في الشراء المندفع.
- التصرف بعدوانية عند الاستفزاز.
- عدم التحمل عند ممارسة شيء جسدي.
- أداء ضعيف في المهام العقلية واتخاذ القرارات المنطقية.
إن الجهاز العصبي يستهلك سكر الدم (غلوكوز) أكثر من باقي أنظمة الجسم، خاصة الأنشطة الذهنية المجهدة. إذا كان ذهنك منشغلاً بتفكير شاق أو كنت تصارع نفسك لتضبطها وتتحكم بها فإن مستوى الغلوكوز ينخفض. إن تناول السكر يحل مشكلة نفاد الإرادة، والعالم روي برهن هذا في تجارب أخرى قارن فيها بين سكر وبين محلي صناعي، وظهر أن المحلي الصناعي ليس له تأثير السكر.
هذا لا يعني أن تتناول السكر والحلوى كلما أردت تقوية إرادتك! بل بالعكس، ضرر السكر أشد وأعنف على الجسم، فعلى المدى القصير فإن تأثير السكر المنشِّط يزول فوراً وستشعر بخمول وضعف، وعلى المدى الطويل فإن تناول السكر بكثرة يضر الجسم ويجلب له الأمراض. المغزى هو التنبيه أن لا يندفع الشخص في أكل السكريات عند الإجهاد الذهني، وستلاحظ أنك إذا صرت مضغوطاً نفسياً وذهنياً فإنك تشتهي الأكل الحالي والدسم، وتعرف الآن لماذا. الحل هو أن تأكل طعاماً صحياً يعطي جسمك طاقة دائمة، مثل: مكسرات، بقول، فواكه، خضروات، حبوب تحوي الألياف مثل الشوفان والشعير والبرغل. هذه كافية أن تغذي المخ بالطاقة وتقوي إرادتك.
أتمنى أن تنفع هذه المعلومات في تقوية إرادتك ولو قليلاً، فكلما عرفت طريقة عمل الإرادة صرت أقوى تحكماً بها، وإذا زال المجهول تَحوّل المُحال لمعقول.