إبراهيم عبدالله العمار
عندما نفكر في الأحداث التاريخية، من المثير أن نتساءل: ماذا لو....؟
ننظر للأحداث الكبيرة ونتساءل: ماذا لو حدث العكس؟ ماذا لو أسلم أبو جهل؟ ماذا لو اتبع فرعونُ موسى؟ ماذا لو أن التتار لم يُسقطوا الخلافة العباسية؟ ماذا لو أن محاولة اغتيال هتلر نجحت؟ ماذا لو أن دول المِحور انتصرت في الحرب العالمية الأولى؟ ماذا لو....؟
طبعاً الأسئلة التي تخص الأحداث الكبيرة مثل هذه هي التي تخطر في البال، لكن أحياناً هناك أحداث مجهولة لكن لو أنها لم تحدث لحصلت تغييرات كبيرة في عالمنا اليوم، وأحياناً أتفه وأصغر الأشياء هي التي تغيّر اتجاه تيار الحياة كما في قصة السجائر الثلاثة!
اندلعت الحرب الأهلية الأمريكية في القرن التاسع عشر بين الشمال والجنوب، وكانت حرباً ضروساً لا زالت آثارها قائمة إلى اليوم، وانتهت في النهاية بانتصار الشمال بقيادة أبراهام لينكون وهزيمة الجنوب، ولكن في سبتمبر من عام 1862م حصل شيء كاد أن يعكس مجرى الحرب. كان القائد الجنوبي روبرت لي يقود جيشاً قوياً، وعزمَ على غزو الشمال في فترة حرجة من الحرب العنيفة، ذلك أنه حسب تقديراته لو انتصر في هذا الغزوة فإنه سيغير اتجاه الحرب لصالح الجنوب وقد تعترف الأمم الأوروبية بالجنوب الأمريكي كالجانب المنتصر الحاكم لأمريكا وتنتهي الحرب فعلياً.
على الجانب الآخر الشمالي هناك القائد جورج مكليلان والذي كان يطارد خصمه روبرت لي، وكان جورج شديد الحذر وبطيئاً في استجابته لمناورات وتصرفات روبرت وجيشه، حتى وصل جورج لمرحلة لم يعرف ما يفعل فيها، فكان يخاف أن يغامر بجيشه وينهزم، وفي نفس الوقت يخشى أن لا يفعل شيئاً ويشجع هذا خصمه على هجومٍ ساحق، ووقف جورج حائراً مشلولاً أمام هذه المعضلة. أثناء هذا الوقت كان أحد الفصائل الموالية للشماليين - جانب جورج - يزحفون على منطقة كان جيش الجنوبيين قد عسكر فيها قبل بضعة أيام، وأثناء فترة راحة في أحد الحقول الزراعية عثر 3 جنود على مظروف في الزرع، فالتقطوه وابتهجوا لما رأوا داخله 3 سجائر ملفوفة بورقة، فاقتسموها، لكن قبل أن يرموا الورقة ويشعلوا السجائر أخذ أحدهم اللفافة التي كانت تلف السجائر وإذا فيها كتابة، فقرأ قليلاً واتّسعت عيناه بدهشة، فقد كانت تلك الورقة تحوي أوامر التحرك لجيش روبرت لي بالتفصيل.. تحوي خطط الجيش والأماكن التي عليهم أن يتحركوا له وكل خطواتهم المقبلة!
إن فضول هذا الجندي غيّرَ كل شيء، إذ كانت تلك الورقة خاصة بأحد ضباط روبرت وقد أضاعها، وفوراً ذهبوا بالورقة إلى جورج قائد جيش الشمال والذي انتزعته تلك المعلومات من حيرته وجعلته يصرخ بجيشه للاستعداد ثم يهب فوراً ليفاجئ الجنوبيين بغزوٍ لم يتوقعوه أبداً، واشتعلت المعركة الفاصلة والتي سميت معركة أنتيتام، وكان أعنف وأدمى يوم في تاريخ أمريكا (إلى اليوم)، قُتِل في تلك المعركة 5 آلاف وجُرِح 20 ألف، وكان ممن جُرِح أحد الجنود الثلاثة الذين اكتشفوا المظروف.
نعود ونسأل: ماذا لو أنهم لم يقعوا على ذاك المظروف؟ ثلاث سجائر صغيرة، غيّرت مجرى التاريخ الأمريكي والعالمي!