أ. د.عثمان بن صالح العامر
نشرت جريدة مكة الأربعاء الماضي 16 من ذي الحجة 1436هـ، خبرَ تصدر التعليم التقاعد المبكر مقارنة بين ستة قطاعات حكومية هامة في العام الحالي 1435- 1436هـ، مستندة في ما ذهبت إليه بما صدر من قبل المصلحة العامة للإحصاءات والمعلومات، ومع شمولية وجودة ما ذكره سعادة عضو لجنة التعليم والبحث العلمي في مجلس الشورى الأخ العزيز الدكتور أحمد آل مفرح من أسباب ومبررات تقف خلف هذا الأمر، والتي أتفق معه فيها جميعاً، فإنني، ونحن نعيش يوم المعلم العالمي الذي بمناسبته - وتحت رعاية معالي وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل - يجتمع المهتمون بشأنه ( المعلم ) في رحاب كلية التربية جامعة الملك سعود، ليتدارسوا في مؤتمر علمي متخصص «معلّم المستقبل - إعداده وتطويره -»، أقول إنني مع اتفاقي الكامل مع ما ذكره (أبو خالد) من أسباب وما طرحه من حلول، فإنني أتطلع إلى أن يكون في مؤتمر جامعة الملك سعود هذا جلسة خاصة يحضرها معالي الوزير ( أبو محمد ) تناقش بكل صراحة ومصداقية وشفافية ووضوح، أسباب ما يمكن أن نطلق عليه ظاهرة ( تسرُّب المعلمين ) وعزوف شريحة عريضة منهم عن القيام بالأعمال الإدارية، بل من الأهمية بمكان التعريج أيضاً على تسرب أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، خاصة الناشئة منها، وعلى وجه أخص أصحاب التخصصات العلمية المطلوبة في السوق.
لقد فرض عليَّ قربي من الميدان التربوي احتكاكي المباشر والدائم بالمعلمين الذين ما زالوا على رأس العمل، وكذا الجلوس إلى المتقاعدين القدامى منهم والمحدثين، والاستماع إلى ما يقولون، وقد خلصت مما قيل إلى أن من بين الأسباب الكثيرة التي يمكن سوقها في هذا المقام:
* كثرة التعميمات التي ترهق المعلم وتشتت ذهنه وتعيق عمله وتشل عطاءه، وقد تفقده الثقة الذاتية في القرار التربوي وتشعره بغياب الإستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم، التي من المفترض أنها مرسومة ومحددة المعالم بشكل كامل منذ زمن ليس بالقصير، خاصة أنّ الكثير من التعاميم يأتي ناسخاً لما سبقه، وقد يصدر بعد مضي أسابيع من العام الدراسي، وله ارتباط وثيق بإدارة الصف أو بالمادة العلمية التي يجب إعطاؤها مبكراً للطلاب .
* كون البيئة المدرسية ليست جاذبة، ليس فقط في حق الطالب بل حتى المعلم.
* غياب الحوافز والمشجعات التي تبنى على أساس من التفاضل الحقيقي بين المعلمين المرتكز على «العدل التعليمي»، والذي يُعَد مطلباً مهماً في دنيا البشر عموماً، فكيف بالميدان التربوي الذي هو محضن البناء والتكوين لفلذات الأكباد .
* عدم الاكتراث بالإنتاجية، والاكتفاء بالكم لا بالكيفية، فأنت في الميدان التربوي مجرد رقم لا أكثر ولا أقل .
* عدم التقدير المجتمعي للرسالة التعليمية وإنزال المعلم المنزلة التي يستحقها لشرف المهمة وعظم الرسالة التي يؤديها .
* قلة وضعف الدورات التدريبية المعمقة والمتخصصة ذات الأثر الفعلي في الميدان التربوي.
* سحب الصلاحيات التربوية من يد المعلم بالكلية، وجعله مجرد معلم ملقن لا أبًا مربياً .
* عدم السماح للمعلم بممارسة الأعمال التجارية خارج وقت الدوام الرسمي، في ظل ضعف المردود المالي من الوظيفة التعليمية غالباً، وكثرة وتسارع المصاريف الأسرية خاصة في المدن الكبرى .
جزماً في جعبة المختصين الذين يجتمعون في رحاب الجامعة الأم « الملك سعود « الكثير والكثير، وفي المناقشة والمدارسة والحوار سيظهر العديد من الأسباب والمبررات، أتمنى كما سبق أعلاه أن نقف على هذه الأسباب من وجهة نظر علمية متخصصة ، كما أتوق - مثل غيري من أهل هذه الدار (التعليم) - أن يكون على يد التربويين والمختصين المؤتَمِرِين هذين اليومين الحل الناجع لهذه الإشكالية التي تتفاقم يوماً بعد آخر مما ينعكس إيجاباً على ميداننا التربوي .
لقد تشرفت يوماً ما بالوقوف أمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - حين كان ولياً للعهد، وكنت آنذاك مديراً للتربية والتعليم في منطقة حائل، ومما طالبت به في ثنايا الكلمة المسجلة والموجودة على ( اليوتيوب ) حتى تاريخه ثلاثة أمور:
* توظيف الخريجين .
* إعطاء المعلمين المستويات التي يستحقونها حسب ما نصّ عليه نظام وزارة الخدمة المدنية .
* والمطلب الثالث - وهو الذي يهمني هنا - «إيجاد هيئة للمعلمين تضمن سلامة الميدان التربوي من الاختراق، وخلوه من الانحراف يمنياً ويساراً، والتزام منسوبيه بالمنهج الوسطي الصحيح، كما تتيح هذه الهيئة المرتقبة للمعلمين مدارسة مشاكلهم ومناقشة واقعهم ورسم مستقبلهم على ضوء السياسة العامة للتعليم في المملكة العربية السعودية « .
إنني أعتقد أنّ ميلاد مثل هذه الهيئة يأتي ضمن الحلول المقترحة لتلافي هذه السلبية المتمثلة في التقاعد المبكر لمن تم إعدادهم وتهيئتهم ليكونوا معلمي المستقبل، إضافة إلى توفير وسائل الحياة السعيدة من تأمين صحي وبدل سكن وحضور مؤتمرات متخصصة .
دمتم أيها المعلمون كما عهدناكم رسل سلام وحماة وطن وحرّاس عقيدة، ونماذج تربوية رائعة ومتميزة، وإلى لقاء والسلام .