د. خيرية السقاف
يتردد على ألسنة الناس في اليوم الأول للسنة الجديدة العديد من عبارات التهاني يتداولونها أملاً في أيام قادمة تحمل للقلوب الفرح، وللنفوس الراحة، وللأوطان الطمأنينة، وللحياة السلم، والأمان..
وتزداد هذه الرغبة في هذا للسنة الجديدة، لما عجت به الماضية من الحروب، والفتن، والانتهاك لأمن الأوطان، ولحريات، وحقوق الشعوب بالاعتداءات السافرة، وإحالة مناطق عديدة من دول الشرق العربي لساحات قتال، ومضامير فناء.. طمعًا في سلطة، وجشعًا في هيمنة، و»إسرائيل» نهازة للفرص، تتوثب في كل زمن، ومناسبة لتعيث ظلمًا بإخوتنا في فلسطين، ناهيك عن المتطرفين، المدعين الإسلام وهم منه براء، والمحاربين له ظنًا فيه الظنون، وأولئك الضاربين بالجوار عرض غاياتهم، وفتن نواياهم، .. المقوضين جُدره بلا حياء، ...!!
ومع كل هذا الغثاء الذي ازدحمت به السنة الهجرية التي مضت أيامها منطوية في إهاب ما سبق، مرتبطة بنسيج ما سيأتي من أيام آتية في هذه الجديدة، فإن الناس تدعو، وتبارك، وفي دخيلتها من الآمال في رحمة الله، واستجابته الكثير لأن يتقبل الدعاء، ويفيض بالرحمة.
هذه السنة الهجرية الجديدة 1437 المطلة في صمت على نهج الزمن، تأتي لتعتقنا بمشيئة الله لنحلق عزمًا في عمل، ورغبة في بذل، وتوقعًا لنسائم صفاء، وتخلصًا من هموم...
هذا هو المحرم الميمون من شهورها، بشمس أول أيامه يبث في صبحنا وضاءة غرته، ..
يفرد بياضه على ظلمة ليل الغادرين بالنور، أولئك اللاهبين نيران نواياهم في هشيم الغافلين.. عسى أن يتخطى المنكوبون بؤر الجمر، لندى الخضرة.، ولسع الحرقة، لبرد الفرحة.
هذا هو المحرم الشهر الطيب بكل ما في زوادته من أحلام الطيبين،
وأماني الأبرياء، وتوقعات العقلاء، وابتهالات الأمهات..!
شهر المسلمين، وهم تحديدًا يحتفون به أحد الشهور الحرم التي يستحب فيه الصوم، والعمل الصالح منهم، وامتثالهم لطاعة الرب فيما شرع له، سماحة، وامتناعًا..
هذا الشهر الذي بُدِءَ بأول يوم هاجر فيه نبي الله عليه الصلاة والسلام من مكة المقدسة مهبط الوحي، إلى المدينة الطيبة موئل الرسالة، ومنطلق التأسيس..
له في النفوس وقار، وفي القلوب حنو..
فيه تُستلهم ملحمةُ المهاجرين، والأنصار رضي الله عنهم، وصحابة الحبيب خير الخلق وأعظمهم خلقًا، وطاعة، ورضا، ..
يُستذكر فيه عهد التآخي، والتعلم من التنزيل الجليل، ومدرسة المعاملات بوحي الإله، وبنود الاتفاقات في شرعه، وناموسه، داخل كيان الأمة التي أسسها ابن عبدالله صلى الله عليه وسلم، ومع المتعاهدين معها من غيرها، والمجاورين لها على غير دينها، أمة على قلب وعي بتشريعها، ..
فإن بُسطت هذه السيرة العظيمة، وفُتحت صحائفها اليوم، للزمنا أن نزيد الابتهال، ونعلو بالدعاء، ونحن نقارن بين من عرف الإسلام على محجته، وبرهانه، ومن يدعي معرفته بالأخذ عنه خطفًا، مما تحمله الأصوات المتداخلة، أو تتسطح به المعلومات المبتسرة في عجلة كعجلة هذا الزمن، بلهاث أهله وهم يتراكضون مع الدنيا جزافًا، جزافًا..!!
حقًا أن اليوم يَستلهم الدعاء، تَستدعي الذاكرة، يدعو الكل في أمة محمد عليه الصلاة والسلام للمعين العذب يغترفون منه ما لا يعطشون بعده.
سنة جديدة آهلة بالآمال أيها السادة الكرام.