أحمد محمد الطويان
عندما تكون قويًا في الرأي والحضور، وتتحدث بمنطق القوي، فإنك لا محالة ستقود ولن تقاد.. لم نعرف السعودية رخوة أو متخاذلة أو مستبعدة من الدور القيادي في إقليمها، ولكن هذه الأيام تضاعف الحضور السياسي وازداد أهمية، وهو نتيجة لتطورات إقليمية استلزمت قرارًا سياسيًا، وكان القرار السعودي سليمًا وفي الوقت المناسب. انعكست السرعة والمبادرة والرؤية الواضحة على المواقف السياسية، وعلى البناء المنطقي لديبلوماسية المصالح المشتركة.
وهنا نرى ونلمس التقارب السعودي الروسي، وتنامي الثقة المتبادلة «التاريخية» بين السعودية وأميركا، والانسجام مع حلفاء الإقليم، والعلاقات المتوازنة مع تركيا، والتعامل مع الأزمات في كل من ثورة سوريا والحرب على الإرهاب وتحرير اليمن بما تستوجب كل منها، وهذه اليقظة اربكت إيران وخيبت ظنونها في محاولاتها لاشغال السعودية عن هذه الأزمات.
الدماء الجديدة تسير في ذات العروق والشرايين العريقة والأصيلة، وصانع القرار في السعودية ينتمي إلى إرث كبير يحمله بيت الحكم، ومسؤوليات تاريخية جعلت التحرك السياسي السعودي، أكثر حكمة واتزانًا مقارنة بأي دور يمكن أن تلعبه أي دولة أخرى في المنطقة. السعوديون المتجددون يعرفون جيدًا أن السياسة خليط بين التاريخ والمصالح المتجددة والتحديات الطارئة، ولا يغامرون بالاستقرار السياسي مهما كان الثمن. وفيما يتعلق بسوريا بالتحديد، فإن التحدي ليس فقط بقاء بشار الأسد أو تنحيته عن المشهد، بل هناك تحد شرس يتمثل بالجماعات الإرهابية وعلى رأسها داعش، وهي شبكة شر تبدأ من العراق وربما لا تنتهي في سوريا إذا تُركت دون مجابهة وتعامل جاد.
وإذا كنا أصدقاء موسكو في التنمية والاقتصاد، وننسق فيما بيننا جيدًا في السياسة، وننمي الثقة بين دولتينا، لا يعني هذا أبدًا أن يغير أحدنا مواقف الآخر المبدئية، فالسعودية من قلب روسيا قالت بوضوح ((لسنا مع بقاء الأسد في مستقبل سوريا)) وروسيا قالت ((ملتزمون في مكافحة الإرهاب بجدية من أجل استقرار المنطقة)) والحقيقة يكفينا الآن أن يدخل معنا حليف قوي لنواجه معًا ما يهدد الإقليم، ولا داعي لشعارات يطلقها أكثر الناس جهلاً بالسياسة، فالأولويات في منطقتنا المستعرة تتطلب جهودًا أكبر وتنسيق أكثر.
الهدوء المؤثر الذي قادت فيه السعودية تحالفًا قويًا لتحرير اليمن أربك الكثيرين، وخيبت السعودية محاولات الدعاية الإيرانية ومن يحاولون إرباك القيادة السعودية منذ بداية الحرب على الحوثيين وحلفائهم، ومن كانوا يستعجلون على سبيل المثال الدخول البري وسط هالة إعلامية، تفاجؤوا بتحرير عدن، والسير بخطى ثابتة لإكمال تحرير الأراضي اليمنية وعودة الحكومة الشرعية لإدارة شؤون الدولة على أراضيها، هذا نجاح كبير لم يتوقع اليمنيون أنفسهم أن يتحقق بهذا الهدوء العاصف. إذا لا حاجة للتفكير بالمسارات السياسية والعسكرية التي ينتهجها صانع القرار السعودي، عندما يتعلق الأمر بالأمن الإقليمي، وعندما يكون الهدف واضحًا وصريحًا، نحن في مرحلة صعبة وتحتاج إلى التنبه والتحفز، كما تحتاج أيضًا إلى الثقة والثبات، وإلى خطاب إعلامي واعِ ينسجم مع السياسة الإعلامية للدولة التي تقوم على أساسات سياسية ناضجة، تراعي مصالح الدولة، وتظهر قوتها، وهنا نقول إننا لأول مرة نعيش انسجامًا بين الجهد السياسي والإعلامي وأقصد بالطبع الإعلام الرسمي الحكومي.
لن تهدأ المنطقة بين ليلة وضحاها، ولن تشرق الشمس بكامل قرصها على الأرض العربية وإيران على حدود كل دولة من دولنا بنفوذها أو باستخباراتها، وهنا لا أعني إيران الدولة بقدر ما أعني «إيران الثورة» وأدواتها المريبة، ويجب أن نتعامل مع ازدواجية السياسة الإيرانية بذكاء، كما يجب أن نحافظ على مصالحنا بذات الطريقة الناجحة التي نسلكها، وأعرف جيدًا أن صانع القرار السعودي متيقظ جدًا، بل قال لي مسؤول عربي سابق قبل أيام قليلة: «لا يتنبأ أحد بخطوات القادة السعوديين، فالسعودية فتحت خطوطًا جديدة تتحرك فيها، ولم تتخلى عن خطوطها التقليدية، محظوظة السعودية دائمًا بتحركها السليم في كل المنعطفات التاريخية».
المستقبل سيكون أكثر جمالاً وروعة إن شاء الله.. بتنمية وبناء داخلي، وبتحالفات سياسية جادة، وبمصالح مشتركة تتنامى، وبمواقف سياسية ذكية وقوية، وبإعلام مؤثر يواكب كل ما ذكر.