أ. د.عثمان بن صالح العامر
أكتب هذه السطور وأنا أعيش كما أنتم لحظات وداع عام هجري راحل وميلاد آخر جديد، أفكر وأتفكر، أتأمل وأُؤمّل.. فلسطين، العراق، سوريا، اليمن، مصر، ليبيا، تونس، الصور فقط لا كلمات الساسة والمستشارين، ولا أحاديث المحللين والمنظرين، ولا خطب العلماء والواعظين، ولا قصائد ومعلقات الشعراء والناظمين ولا... أقول: الصور فقط هي التي باتت تتزاحم وتتسابق لتختزل لي القصة من الألف إلى الياء، ولتروي مشاهد عام انصرم للتوّ.
* اللون الدموي الأحمر أظهر الألوان وأكثرها حضوراً في ذهنية العربي الحزين.
* الخوف من المستقبل يعلو وجوه الساسة قبل العامة، ومرارة الحاضر تسم الأجساد وتحرق الفؤاد.
* السرعة في كل شيء.
* التقارب مع كل الناس، وإن اختلف المكان وتباين الاهتمام وكان فارق السن كبيرا.
* واللغة السائدة التي أراها في كل الصور الحاضرة بين عيني هذه الساعة هي لغة القوة، التي لا تعرف للرحمة ولا للإنسانية باباً.
* الأطفال - الذكور منهم والإناث - كما تحكي الصورة القافزة لذهني المكدود - هم وقود المعركة الخاسرة بين بعضنا البعض، كما هو حال الإخوة والأخوات، الآباء والأمهات، الأجداد والجدات.
تخيلت لحظتها لو أن الضمير العربي الساكن في رؤوس الرؤساء مشعلي نار الحروب ورافعي رايات الهدم والدمار، الذين هم في شهادة الميلاد عرب مسلمون، تخيلت لو أن هذا الضمير - إن كان هناك بقية من ضمير حي - استيقظَ لحظةَ ميلاد عامنا الجديد، وكان منه إعادة شريط الأحداث ليرى بأم عينيه ما سجله الكل- المؤرخ والمثقف ورجل الشارع العامي، بالصوت والصورة ومن مختلف الزوايا والطرقات - نعم سجله هؤلاء المكلومون بكاميرات جوالاتهم الشخصية؛ ليكون شاهداً عليه هو وزبانيته إلى الأبد.. ترى ماذا عساه أن يقول، وبماذا سيجيب عن أسئلة شعبه الطريد منهم والمعذب والجريح والمصاب والمهجر والمسجون والمفزوع والمقهور والمحزون و...؟.
إننا في بلادنا المملكة العربية السعودية ننعم بما فقده غيرنا ممن كانوا قبل سنوات معدودة في مثل ما نحن عليه أو أحسن، وحتى لا نكون كما هم فالواجب:
* أن نشكر الله عز وجل على ما نحن فيه ليل نهار.
* وأن تكون منا على المستوى الفردي والجماعي المؤسسي محاسبة دقيقة لسلوكنا الديني ولسجلنا الوطني في عام.
* وأن نلتف حول قادتنا وعلمائنا وأهل الرأي الراجح والحكمة النافذة فينا.
* وأن نعزز شعورنا بالألفة والمحبة بالتواصل والتعاون والتكاتف بين بعضنا البعض من أجل الحاضر المعيش وقادم الأيام.
* وأن نوظف التقنية ونسخّر الشبكة العنكبوتية التي تنخر في عالم الفضاء الافتراضي لما هو خير.
عام جديد ليس حداً فاصلاً بين عهدين جزماً، ولكنه إعلان لسرعة تصرّم الأيام وانقضاء الساعات، ولذا ستتغير الأرقام وستتبدل روزنامة المكتب لتقول لنا:
* إننا نعيش أول أيام شهر الله المحرم من عام سبعة وثلاثين بعد الأربعمائة والألف من الهجرة النبوية، التي هي الحدث الأبرز في تاريخ الإسلام، ولذا اختاره عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ليؤرخ به المسلمون أحداثهم، ويجَدوِلوا أعمالهم، ويوثقوا عقودهم.
* ولتقول لي ولك أيضا أنّ أعمارنا تمضي سريعاً بنا إلى لقاء الله والدار الآخرة، فعلينا الاستعداد والمسابقة إلى الله بالعمل الصالح قبل أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله، وإلى لقاء والسلام.