حمّاد السالمي
* منذ فجر الإسلام إلى ما قبل عصرنا هذا؛ وفريضة الجهاد عند المسلمين؛ مصانة مرعية، بشروطها الشرعية، وضوابطها الفقهية، حتى ظهر بيننا من الخوارج الجدد؛ من امتهنها، وركب موجتها، وسيّس غرضها، وشوهها ووجهها الوجهة التي يريد، بهدف تحقيق مطالبه، وإرضاء غرائزه، ضارباً عرض الحائط؛
ما هي عليه هذه الفريضة من قيم إسلامية سمحة، وأخلاق إنسانية راقية، لا تقبل تكفير الناس، ولا تفجيرهم أو قتلهم، ولا نشر الإرهاب في الأرض باسم الجهاد الذي هو بريء من هذا كله.
* كم هي الجرائم التي ارتكبت وترتكب اليوم باسم الجهاد، وضحاياها من المدنيين كبار السن والنساء والأطفال..؟!
* كم هو الخراب الذي طال المدن العامرة، ودمّر الشواهد التاريخية والحضارية في عدد من بلدان العرب المسلمين..؟!
* كم هو التشويه والضرر الفادح الذي ألحق بالمسلمين ودينهم الحنيف باسم الجهاد المزعوم في عصرنا الحاضر..؟!
* كم هي الأنفس البشرية التي أزهقت ذبحاً ونحراً وحرقاً وغرقاً باسم الجهاد المزعوم الذي يدعون إليه..؟!
* كم هم أولئك المساكين الذين أُخِذوا بخطباء فصحاء؛ يهزون المنابر تنفيرًا لأرض الجهاد الذي يزعمون..! وخُدعوا بما يردده دعاة وقُصّاص من أقوال وأحاديث غير موثوقة، حتى فتنوا الناس في دينهم ودنياهم، ونشروا الكراهية المذهبية والطائفية، حتى اقتتل الناس فيما بينهم في البلد الواحد، والمجتمع الواحد، كل ذلك باسم الجهاد المفترى عليه..؟!
* كم هم الأبرياء الذين هُجِّروا قسراً من دورهم وديارهم إلى ديار بعيدة ومجتمعات غريبة باسم الجهاد الذي زيفوه على الناس كافة..؟!
* كم من حرمات ارتكبت باسم الجهاد، فطالت دماء الناس وأعراضهم وأموالهم، بينما ظل المفتنون والمحرضون والداعمون لهذا العبث؛ يتفرجون ويصفقون، ويتنصلون من المسئولية بين وقت وآخر..؟!
* شاب غرّ يخرج على والديه ومجتمعه ودولته، يلف وسطه بحزام نازف، ثم ينتحر في عملية عبثية، بتحريض من شيخ متطرف كرّهه في الدنيا وحبب إليه الجنة والحور العين بهذه الوسيلة القذرة باسم الجهاد، بينما الشيخ المتطرف يتقلب في نعيم الدنيا وسط أبنائه وأهله وأمواله الطائلة..؟!
* شباب صغار أحداث أسنان؛ يظهرون في مقاطع مصورة؛ بلحى طويلة وعمائم وملابس سوداء؛ وهم يذبحون وينحرون ويقتلون الرجال والنساء والأطفال بدماء باردة، وسط حفلة من الضحك والزهو، زاعمين أنهم يجاهدون في سبيل الله..؟! من أوصلهم إلى هذا الدرك من القبح المسيء للجهاد في دين الإسلام..؟!
* كم هي البلدان التي تفككت بناها الإدارية والاقتصادية والجغرافية، والشعوب التي تعرت وجاعت وخافت باسم الجهاد المزيف؛ ابتداءً من الجهاد الأفغاني، ومرورًا بالجهاد في الصومال والشيشان، ثم البوسنا والهرسك، وصولاً إلى تحريضهم المتجدد للجهاد في العراق وسورية..؟!
* كم هي البيانات التحريضية التكريهية؛ التي وقعها دعاة الفتنة باسم الجهاد الذي يزعمون في كل مكان؛ وآخرها بيان من أعطوا أنفسهم ألقاب علماء ودعاة، إغراءً للشباب، وخروجًا على الحاكم، وزيادة في إشعال الفتنة في بلدان تكتوي بنار الدواعش القتلة في سورية والعراق، ناسين أو متناسين أن دولتهم حكومة وشعبًا؛ هي ضد الإرهاب الذي يتزعمه الدواعش باسم الجهاد، وهي شريك أساسي في التحالف الدولي لملاحقة الإرهابيين وضربهم في سورية والعراق، وفي كل مكان على وجه الأرض..؟!
* كم عدد العرب والمسلمين الذين فقدناهم باسم الجهاد المزيف في هذا العصر في كل بلد عربي تقريباً وفي بلدان إسلامية كثيرة، حتى وصل الأمر بمجندي القاعدة وداعش والنصرة وخلافها من الجماعات المتأسلمة؛ وتحت رايات جهادية يُسوِّق لها البيانيون من بيننا.. وصل الأمر أن فجروا في مساجدنا، وفي أسواقنا، حتى نشروا الرعب في النفوس، وشرعنوا للإرهاب الذي زرعه شيوخهم في عقولهم..؟!
* كم هي الحوادث الإرهابية البشعة التي استهدفت الأبرياء، وحار في فهمها العقلاء، ونفذها شباب ضد آبائهم وأمهاتهم وأقاربهم جهادًا في سبيل الله زعموا..؟! ومع ذلك لم تحرك هذه الحوادث ساكنًا عند (البيانيين) الذين عرفناهم من أيام حكاية العراقي (منقاش)، الذي زعم (البيانيون) أنه أسقط طائرة أباتشي أميركية بـبندقية (برنو) في أيام الحرب الأولى على العراق مارس (آذار) من سنة 2003م، وما بدر منهم من قصائد وتمجيدات مضحكة وقتها..؟!!
* كم هي المآسي والأحزان؛ التي تعتصر النفوس في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، تلك التي خلفتها وتخلفها العمليات الإرهابية للقاعديين والدواعش باسم الجهاد الذي يدّعون في بلداننا العربية والإسلامية المنكوبة من أبنائها قبل غيرهم من بني البشر..؟!
* كم هي العداوات والضغائن والأحقاد التي تولدت بين فئات من المجتمعات، نتيجة مفاهيم خاطئة عن الجهاد؛ تبناها بعضهم، ورفضها بعضهم، فارتفعت حدة السجال إلى خصومات واستقطابات وتصفية حسابات لا تخلو من قذارة في كثير من فصولها..؟!
* كم وكم أنت أيها (الجهاد)؛ مبتذل وممتهن من شرائح ضلت الطريق، وأصبح همها تحقيق مكاسب دنيوية بشعارات أخروية، والوصول إلى كراسي الحكم، وممارسة السلطة على البشر، دون مراعاة لحرمات الناس في دمائهم وأعراضم وأموالهم، ولا حتى النظر في المصالح العليا للعرب والمسلمين، والبعد بهم عن الفتن التي تحط من قدرهم، وتضعف شأنهم، وتمزق أوصالهم..؟!
* كم أنت أيها (الجهاد)؛ تُستغل من هؤلاء (العباد)..؟!