إبراهيم عبدالله العمار
الفضول فطري في الإِنسان، ومن جوانبه وجهٌ سوداوي لا يقاوم أخبار أو صور الأشياء المكروهة كالقتل والدمار، التي قد يشاهدها الشخص ويتأسف لكن لا يقدر أن يُشيح بوجهه عنها، يدفعه هذا الفضول الفطري.
سؤال العنوان لا شك أنه راود الكثير، خاصة مع رؤيته في الأفلام مثلاً، ولكن لم آخذه على محمل الجدية التامة إلا لما قرأت بالتفصيل قصة حقيقية لرجل أصيب برصاصة في رأسه وعاش بعدها ليحكي القصة بالتفصيل.
هذا الرجل الأمريكي اعتاد زيارة منطقة نائية فيها أقارب له. ذات مرة لما كان يقود سيارته في تلك المنطقة.. شعر بالإغماء. كان شعورًا سريعًا مفاجئًا لم يتوقعه. لم يستطع أن يحرك أيًا من أطرافه وسمع طنينًا، وما هو إلا قليل حتى انحرفت سيارته إلى حفرة. لم يعرف كم ظل فاقدًا للوعي لكنه استيقظ ورأى أكياس الهواء قد خرجت. خرج من سيارته بصعوبة، وقف على قدميه وخرَّ على الأرض. لم يشعر بشِّقّه الأيسر. ظل طريح الأرض يستمع لطنين أذنيه ويشم رائحة شيء محترق. صرخ طالبًا العون لكن لم تخرج كلمات مفهومة من فمه، فقط حروف مبعثرة. لقد فقد القدرة على الكلام. كان تفكيره سليمًا ويشعر بهذه الأشياء في عقله، لكنه عاجز عن التعبير. كيف يطلب الإنقاذ وهو لا يتكلم أو يتحرك إلا بصعوبة شديدة؟ ظهرت له فكرة: هاتفه المتنقل! تحرك بمشقة إلى سيارته وبحث عن هاتفه وفرح لما وجده، لكن كان عليه أن يفك الشفرة الأمنية، وهي بسيطة وأدخلها مئات المرات، لكن هذه المرة مخه في طورٍ آخر، فلم يميز الأرقام، ولكنه ميّزها كأشكال، فأدخلها ولحسن حظه كان رقم أبيه أولها فاتصل عليه، وأدرك أبوه أن ابنه في خطر بالرغم من أن كلامه غير واضح فصرخ به تكرارًا: «اذهب للطريق الرئيس!». أقفل الابن الهاتف. حاول أن يقف لكن سرعان ما يخر لوجهه. مكث في الأعشاب وشعر بنوع من السكينة تكتنفه، نظر للنجوم، أعجبه جمالها في هذه الليلة الصافية، برزت خاطرة: «اقترب الموت»، أخافته الفكرة فأخذ يصرخ داخل عقله «لا! لا! لا!»، فاستجمع كل ما لديه من طاقة وزحف مسافة طويلة جدًا (180 مترًا) للطريق الرئيس كما أوصاه أبوه، فجلس على الأسفلت ورفع يده السليمة ولوّح للسيارات المارة، لكن مرت أول سيارة بلا مبالاة، ثم الثانية، ثم الثالثة، وشعر بالألم والغضب من هذا، ولما مرت 10 سيارات توقف أحدهم، وما هو إلا قليل حتى جاء أبوه مسرعًا مذعورًا، فصاح بابنه: «ماذا حدث»؟ ورد الرجل: «أظنني أصبت بجلطة». لم تكن جلطة طبعًا.
جاءت سيارات الشرطة التي طلبت الإسعاف فورًا، وسألوه: «ما بال نافذتك مكسورة؟»، ولم يعرف السبب. وصلت المروحية وأعطوه مورفين وهرعوا به للمستشفى المحلي الصغير، أخذوا صورة أشعة وأخبروه أنه أصيب برصاصة في رأسه، ويتذكر والده يجن جنونه، أما هو فكان يراقب بخمول، ولم يستطع الكلام أصلاً حتى من دون مخدر، فأخذوه بالمروحية لأكبر مستشفى في المنطقة ونفذوا له عملية في المخ. استيقظ بعدها بأسبوعين، ولم يزل عاجزًا عن الكلام، لكنه ببطء استعاد قدرته عليه وعلى الحركة إلى درجة كبيرة.
لم يعرف هذا الرجل ولم تعرف الشرطة من أطلق عليه النار، ولم يوجد أي سبب لهذا، وقد تكون رصاصة عشوائية من شخص يجرب إطلاق النار في العراء، لكن الرصاصة أخطأت كل تلك المساحات الهائلة وأصابت رأس الرجل.
قصة مدهشة، ومن أعجب ما فيها أن الرجل لم يشعر بأي ألم من تلك الرصاصة. أيضًا عجيب أنه لم يمت. «وما تدري نفس بأي أرض تموت». أناس أصابتهم جروح بسيطة ماتوا، وأناس تصيبهم رصاصات في الرأس ويعيشون!