تركي إبراهيم الماضي
تتداول ألسنة الناس عبارة (ماشين بالبركة) لتصف حالة مشروع متعثر أو موقف متردد كُتب له النجاح رغم أنه يحمل أسباب الفشل كلها!
هذه الحالة - أي أن تصف الشيء دون أن تختبره - هي مريحة للنفس لأنها تُعطي الإجابة الجاهزة والفورية دون
تفكير أو تحليل. وهي أيضاً مؤثرة سلباً على الإدراك العام، عندما ترمي اللائمة على من لا لوم عليه!
«البركة» - التي نسأل الله أن يديمها علينا- تحجب الرؤية عن ما لا نريد أن نراه من خلل كبير في حياتنا سواء على مستوى الأسرة أو العمل أو العلاقات الاجتماعية. وأزعم أن كثيراً من مشاكلنا تتركز في غياب ترتيب الأولويات: (الأهم، فالمهم، فالأقل أهمية) لأن هذا الترتيب لازم في تحديد ما هو ضروري عمله الآن وما يمكن تأجيله إلى وقت آخر.
والأمثلة على ضياع ترتيب الأولويات كثيرة، منها هذا المشهد المتكرر في كل مدن بلادنا:
تقرر البلدية اعتماد إنشاء حي جديد بكامل خدماته، لكن الذي يحدث أن المواطنين يبنون فيه المساكن أولاً ثم ينتظرون تأمين الاحتياجات الضرورية لسكان هذا الحي مثل المسجد والمشفى والمدارس وقسم الشرطة. ثم يحدث ما هو متوقع - في ظل عدم تحديد ماهو مهم أولاً - فتبنى فيه المدرسة قبل المشفى، ويعمر في الحي مساجد عدة رغم أن حاجة الحي مسجد أو اثنين. بل تجد في مساحة صغيرة من الحي مسجدين متقاربين في المكان نفسه. يؤدي ذلك إلى حرمان سكان الحي بالتجمع في مسجد واحد. وهذا ما أراه أنا في الحي الذي أسكنه، وقد صليت في الاثنين في أوقات مختلفة فما وجدت المصلين يتجاوزون أكثر من صفين رغم كبر حجم المسجدين.
ليست المسألة هنا إدعاء معرفة، أو امتلاك حلول جاهزة، لكني أظن أن أغلب مشاكلنا سواء ما يتعلق بالعمل الحكومي في قطاع الخدمات أو حتى ما يحدث على مستوى الفرد وعلاقاته بمن حوله مردها إلى أننا لا زلنا نجهل كيف نرى أولوياتنا في حياتنا العامة والخاصة، وكيف نرتب درجات أهميتها؟