أحمد محمد الطويان
لا تعلن الدول مكافحة آفة أو مشكلة أو ظاهرة، إلا بعد ثبوت تهديدها لاستقرار المجتمع أو تشكّل خطراً حقيقياً يستوجب حشد كل الإمكانيات لمواجهتها.. لذا نسمع عن مكافحة الإرهاب، مكافحة المخدرات، مكافحة الفساد... وفي الأسبوع الماضي سمعنا عن مكافحة البطالة من خلال بيان مجلس الوزراء الذي نقلته وكالة الأنباء السعودية،
هيئة جديدة في بلادنا تعمل لمكافحة البطالة وتوليد الوظائف، ترتبط برئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ومستقلة عن أي جهة أخرى، ولها صفة إدارية وقانونية تمكنها من مكافحة هم قديم بحلول جديدة.
كيف ستعمل هذه الهيئة؟ وهل ستعطلها البيروقراطية؟ أم أنها ستولد متحرّرة من القيود التقليدية؟
ماذا يعني أن تحظى بإشراف الرجل الثالث في الدولة ولي ولي العهد، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية؟
كيف سيكون انسجامها مع وزارة العمل؟
كيف ستنسق مع وزارة التعليم لضمان نجاح برنامج الوظيفة والبعثة المستحدث؟
تساؤلات عن هيئة ولدت لتولد وكبرت وهي لا تزال على الورق نظراً لحجم التحديات الكبيرة التي ستواجهها، ولأنها تحظى برعاية قيادة البلاد، ومرجعها هو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.
الذي أعرفه جيداً أن الشباب السعودي المؤهل يواجهه سوق العمل بإحباطات كبيرة، فهو لا يعطي الفرص لمستحقيها في الغالب، أما الشباب الأقل تأهيلاً فلا يجد من يمسك بيده ويدربه ليكون منتجاً وفعَّالاً. نسبة البطالة بتصوري ليست 15% أقل أو أكثر بقليل، النسبة الفعلية يجب أن تضم أولئك المكبلين الذين لا يستطيعون التعبير عن طاقاتهم وإبداعاتهم، ومن يشعرون بالانتقاص والامتهان، وكأن الهدف الأول للتوظيف هو تأمين مصدر دخل فقط.
الهدف الحقيقي يجب أن يكون صناعة الفرص الوظيفية، والإفادة من القدرات، لينعكس رأس المال البشري على العملية التنموية بمفهومها الشامل، الوظيفة المناسبة، بالإضافة إلى المرتب الذي يوازي المجهود والمسؤوليات، وأنظمة العمل المتطورة باستمرار، تضمن تحريك سوق العمل، وتحريره من قيود منعت أو ساهمت في منع توالد الوظائف والفرص.
لا نلقي باللوم كله على التجار ومدراء الشركات، ولكنها عملية معقدة وشبكة مترابطة لا يمكن تفكيكها، تجمع السلوكيات الاجتماعية، والمخرجات التعليمية، وثقافة الإنتاجية والجودة، وأمور أخرى جعلت الموظف السعودي يعاني في إقناع الشركات بما لديه.. وأيضاً لا يمكننا الوقوف بعيداً والنظر إلى الواقع من دون أن ننتج حلولاً جديدة.. فالمشكلة لا تتناقص، والبطالة ستولد بطالة أكبر، والتأثير المباشر على الاقتصاد يتنامى، لذا جاءت هيئة مستقلة ترفع عن كاهل وزارة العمل هذا الحمل الثقيل.
المتوقّع أن لا تكون هيئة حكومية تقليدية، وأن لا تكون حلولها كلاسيكية، وأن لا تكون منشغلة في نفسها بهيكلها الإداري والمالي الداخلي أكثر من انشغالها بما أنشئت من أجله، وفي ظل رعاية ولي ولي العهد لها أعتقد بأنها ستتجاوز كثيراً من الأمور المعطلة لها، وأرجو أن تكون أنموذجاً مختلفاً يعكس حجم رعاية الدولة لها.
البطالة إرهاب اقتصادي، وفساد تنموي، ومخدرات لمشاعر المواطنة والإنتاجية، هي كل الآفات مجتمعة، ومكافحتها واجبة، وسيكلفنا تفاقمها في المستقبل القريب لا سمح الله أكثر بكثير مما كلفنا في السابق، والأمل بالأفضل والأجمل مستمر ويكبر كل يوم ونردد دائماً (عاشت همة الشباب).