د. أحمد الفراج
أعود لما كتبه بعض الزملاء عن أهمية العناية الفائقة لآلية اختيار من يمثل البلاد خارجيا، خصوصا في ظل الحملات الشعواء الموجهة ضد هذه البلاد، والأخطار المحدقة بها، فهناك بعض المتميزين ممن يمثل البلاد. هذا، ولكن هناك من هم دون ذلك، ممن يتعامل مع المهمة الجسيمة للعمل الدبلوماسي على أنها عمل إداري بحت، ومعظم هؤلاء، إن لم يكن كلهم، تم ترشيحهم عطفا على علاقات شخصية، وبالتالي فإن الذنب في التقصير لا يقع عليهم وحدهم، فالعمل الدبلوماسي لا يعني التقوقع والحذر دوما، بل المواجهة والكاشفة، والتواصل مع الفئات الفاعلة، خصوصا طبقة المثقفين والإعلاميين، وبهذا الخصوص فإن لي تجارب حية في التعامل مع بعض ممثلينا خارج الحدود، بعضها يوحي بالتميز، وبعضها دون ذلك بكثير.
ذات زمن غير بعيد، عملت أستاذاً زائراً في إحدى الجامعات الغربية، ومثل هذه المهام تصنف على أنها تمثيل دبلوماسي، وبالتالي فقد خاطبت وزراة الخارجية الموقرة سفارتنا المعنية هناك، وقد قابلت سعادة السفير، وكان لطيفا طيب المعشر، ثم باشرت عملي أستاذا بتلك الجامعة، وكان البروفسور المسؤول عن القسم الذي أعمل فيه أكاديميا مرموقا، ومثقفا بارزا، يكتب في الصحافة، ويشارك في الإعلام، وله نشاطات كثيرة، خارج بلاده، إذ هو شخصية أكاديمية مرموقة، وكانت علاقتي معه جيدة جدا، فهو من ألطف الناس معشرا، وأكرمهم، ولم يقصر معي في كل ما أريد، وقد شمل كرمه حتى أسرتي الصغيرة، إذ كان لنا تواصل مع أسرته، ومع كل ذلك فقد كان له موقف غير ودي نسبيا من المملكة، وقد كنت أحاول، بكل دبلوماسية وهدوء، أن أوضح بعض جوانب القصور لديه، فيما يتعلق بموقفه من المملكة، واتضح لي أن معظم مواقفه السلبية، تم بناؤها عطفا على معلومات ليست دقيقة، وحاولت كل جهدي أن لا أبين له أنه مخطئ، بل كنت أنقل له المعلومات، وأصحح له أخرى، كل ما سنحت لي الفرصة بذلك.
بعد فترة من توطد علاقتي الشخصية برئيس القسم الذي أعمل فيه في تلك الجامعة الغربية، والذي يحمل موقفا غير ودي من المملكة، تحدثت مع سفيرنا هناك عن الأمر، فأبدى امتعاضه من ذلك، وأكد لي أن هذا البروفسور الذي أعمل عنده عدو للمملكة!!، هكذا دون تفاهم، ثم نصحني بعدم التعامل معه، وهو الأمر الذي لم يكن ملزما لي، وبالتالي واصلت علاقتي المتميزة مع البروفسور، رسميا وشخصيا، وقد تعلمنا من بعضنا البعض، فقد كانت اهتماماتنا المعرفية مشتركة، وقد مضت السنوات منذ ذلك الحين، وتقاعد سفيرنا في تلك الدولة من العمل، وأصبح البروفسور الذي حذرني منه السفير أحد أصدقاء المملكة، وزارها عدة مرات، فليس الهدف من التقارب مع الآخر هو صناعة أبواق كاذبة، فأحيانا يكون المطلوب هو نقل الصورة الحقيقية وحسب، وتصحيح بعض التصورات المغلوطة، وهذا جوهر التمثيل الخارجي، والمقصود هنا هو أن دور الدبلوماسي لا يجب أن يكون الانزواء، والحذر المبالغ فيه، بل التواصل مع الآخر، فليس كل من يحمل موقفا سلبيا من المملكة كارها لها، بل قد يكون مثل صاحبنا البروفسور، والذي بنى مواقفه السلبية عطفا على تصورات غير دقيقة، وهنا أتمنى من المسؤولين أن يولي ملف «التمثيل الخارجي» عناية فائقة، وترسم له إستراتيجية واضحة، ويكون الاختيار لمثل هذه المواقع الحساسة والهامة عطفا على الكفاءة، والكفاءة فقط.