زكية إبراهيم الحجي
ترى ما هو نوع التعليم الذي نحتاجه في هذا القرن الذي غلبت عليه الاضطرابات واشتدت فيه الضغوط والتوترات وتزايدت التحديات القاسية المعقدة مقابل تصاعد التطلعات نحو إعداد مستقبل أفضل للأجيال ورسم مسارات جديدة مميزة وفعالة لهم لكونهم قوى التغيير في المجتمع.. والربان الذي سيقود مراكب الوطن نحو تنمية مستدامة.
العالم على تغيّر.. والمجتمعات في كل مكان تخوض تحولات عميقة.. والآفاق المعرفية في توسع لافت والنفاذ إلى المعارف والمعلومات صار سهلاً ميسرًا للجميع مع انتشار شبكات الاتصال الإلكترونية.. يتعامل معها كل البشر وكأنهم يعيشون وسط عالم نسيجه كم هائل من التوصيلات مما أتاح لهم فرصًا واسعة لإعادة صياغة نشاطهم البشري وزيادة فرص حرية التعبير والتفاعل مع الآخرين والحصول على مختلف المعلومات في جميع المجالات وهذا بالطبع إذا أحسن استخدامه بطريقة تعود بالنفع على من يستخدمه.. ونتيجة للتطورات السريعة وتدفق المعارف الإنسانية والعلمية والمعرفية.. بتنا بحاجة إلى تجديد رؤية التعليم في ظل عالم متنوع ومتغير.. وإلى إعادة التفكير في نوع التعليم الذي نحتاجه في سياق التحولات الراهنة إِذ لا يكفي إيصال التعليم بل يلزمنا التركيز على جودة التعليم وملاءمة التعلم.. نحن بحاجة إلى النظر بعمق في المبادئ المعيارية ذات الصلة بين التعليم والتنمية بمختلف أنماطها دون المساس بمبادئنا وقيمنا وأخلاقنا المستمدة من ديننا الإسلامي الحنيف.. بمعنى نحن بحاجة إلى تخطي النمط التقليدي في التعليم نحو تعليم أقل وتعَلُمٍ أكثر فكيف نحقق هذه الرؤية من أجل مستقبل أجيال يتكئ عليهم المجتمع والوطن لتحقيق تنمية مستدامة.
التعليم نعمة من نعم الله وضرورة من ضروريات الحياة.. ولم يسبق أن كان التعلم للتعلم بالأهمية التي يتصف بها اليوم إلا أن هناك من يذهب إلى الأخذ بالرأي القائل بأن نمط التعليم المدرسي لا مستقبل له في العصر الرقمي نتيجة للفرص التي يتيحها التعلم الإلكتروني وعلى الرغم من أني لا اتفق تمامًا مع من يقول لا مستقبل للتعليم المدرسي ذلك لأن التعلم المدرسي ما زال وسيبقى نواة للتأسيس كونه خطوة أولى للإنسان في رحاب التعلم المؤسسي والتكيف الاجتماعي خارج نطاق الأسرة فهو مكون جوهري من مكونات التعلم الاجتماعي.. إنه تعَلُّم المرء كيف يكون وماذا يريد وكيف يخطط لمستقبل حياته.. إلا أن تحول المشهد التعليمي في عصرنا الحالي ما زال يشهد تنامي الاعتراف بأهمية وملائمة التعلم خارج نطاق مؤسسات التعليم التقليدي.. بمعنى تجاوز قاعات التدريس والبيئة المدرسية وإدماج المقررات المفتوحة التي تعتمد على التعلم الذاتي.. والتركيز على المعارف المكتسبة والإقرار بأنها جزء من إطار التعلم مدى الحياة.
إعداد تلاميذ اليوم لسوق عمل الغد في عالم سريع التطور والتغير أصبح موضوعًا ملحًا ومهمًا ولن يَتأتْى ذلك إلا من خلال تصور جديد حول هيكلة نظام التعليم المعتمد حاليًا وتطويره وتنوع الطرق الممكنة لنقل المعلومات والمعارف بهدف الاستجابة لحاجات العصر.. فإعادة التفكير في تحسين وتطوير نظام التعليم ينبع من ضرورة إعداد أجيال تبتكر وتبدع بطرق غير تقليدية.. نحن بحاجة إلى كسر رتابة النظام التقليدي وتزويد الطلاب بالمهارات المختلفة التي تعود عليهم بالنفع ليس في المدرسة أو الجامعة فحسب.. بل خارج قاعات المحاضرات الجامعية والفصول الدراسية وهذا يستدعي الاعتراف بأنظمة تقنية المعلومات والأنظمة المعرفية الحديثة وإدراج هذه التقنية المتطورة في أنظمة التعليم فحجم المعلومات والمعارف المتوفرة في الإنترنت ساحق وهنا يتمثل التحدي في طريقة جعل المنخرطين في التعلم يكتشفون طريقهم عبر هذا الكم الهائل من المعلومات التي تثري الفكر وتنمي المهارات.. ما نحتاج إليه اليوم هو نهج تعليمي شمولي أكثر مرونة في مسار التعلم وتتفاعل فيه ركائز تعتمد على (التعلم للمعرفة والبحث المعمق.. التعلم للعمل لاكتساب الخبرة والكفاءة.. التعلم لأكون شخصية منفتحة نحو الأفضل.. التعلم للعيش مع الآخرين والتفاعل معهم للإسهام جميعًا في طرح رؤى جديدة للنهوض بالتنمية المستدامة) فهل تتجدد رؤية نظامنا التعليمي في ظل عالم متنوع وبالتالي يتحول مشهد التعليم إلى مشهد التعلم.. نرجو ذلك.