ناصر الصِرامي
استمعت باهتمام لما قاله معالي وزير الإسكان ماجد الحقيل بأن جانبًا مهمًا من مشكلة الإسكان هي مشكلة فكر، فكر عام في النظر لهذه المشكلة، وفكر عام من الأفراد في فكر التملك، أو حلم تملك مسكن.
وحتى أكون واقعيًا جدًا، فالوزير كما بدا في لقاء عام قال بوضوح، إن هناك برنامجًا ومشروعًا سيقدم لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة سمو ولي ولي العهد، وفي حالة قبوله سيتم تنفيذه، وفي حالة رفضه ستتم مراجعته وتعديله.
ثم مضى يتحدث عن أفكاره الخاصة من تجربة أو تحليل أو نحو ذلك، ومن هناك بدأ الخلط بين الرؤية أو البرنامج العملي الفعلي لحل مشكلة الإسكان الضخمة في المملكة العربية السعودية، وبين تعليقاته العامة. إلا أن الرؤية لا بد أن تنعكس على البرنامج ولو بشكل محدود أيضًا.
المشكلة في الطرح أو التواصل، في الإرسال والتلقي، جعلت مما قاله الوزير الجديد هو برنامجه، من هنا أصبح نهاية الأسبوع مفعمًا ومثارًا بتعليقات لافتة وقوية في وسائل التواصل الاجتماعي، شارك فيها كتاب ومفكرون وأسماء معروفة في عالم الصحافة والرأي.
المشكلة ليست فقط في التعبير، أو التفسير أو انتقاء الجمل أو وضع الفواصل، لكن موضوع الإسكان وأزمته في البلاد، موضوع حساس وبالغ الأهمية لشريحة كبيرة، وكبيرة جدًا من المجتمع باختلاف الأعمار والأجناس والإمكانات والموارد.
ثم إن التوقعات المأمولة لحل هذه المشكلة هي توقعات عالية جدًا، مقابل اهتمام كبير ومعلن من الدولة وقيادتها، ومن الملك شخصيًا الذي وضع الإسكان في أولويات الاهتمام دائمًا.
أضف إلى ذلك أن الانتظار طال من الفترة السابقة والحديث عن المليارات وأرقام الوحدات الكبيرة، التي أعلن عنها، ولم يظهر منها شيء يوازى أو يستحق كل ما أعلن، وكل تلك الوعود وبعض الأمنيات.
لست أدافع عن الوزير، ولم يسبق لي اللقاء به، لكننى سمعت كامل تعليقه أكثر من مرة، وأعتقد أن من يحلل سياقات المضمون، قد يتفق معي هنا. في البداية رحبت مقدمًا باختياره الصمت في بداية تسلمه الوزارة، وكانت هناك أكثر من شكوى من الزملاء أنه لا يتحدث عن برنامجه وخططه للحل. بالنسبة لي كانت تلك إشارة إيجابية جدًا، فالرجل يريد أن يضع خطوطًا عريضة لبرنامجه قبل الخوض في التفاصيل.
إلا أن حديثه في الجوانب الفكرية، - أي الثقافة الاجتماعية العامة- كان حديث جيدًا، وهو ما كتبه بعض الزملاء أكثر من مرة في مقالات وتعليقات صحفية، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن لنتذكر، ونذكره أيضًا، أن سقف التوقعات من وزير يحمل واحدًا من الملفات المهمة والمتفق على أهميتها، إضافة إلى حجم السخط والجدل حول ما تحقق من نتائج متواضعة حتى الآن في مسارها. يجعل كل كلمة محسوبة وثقيلة أيضًا.
هل أخطأ الوزير في التقدير، وتكرار كلمة فكر كثيرًا جدًا جدًا، أم أسيئ فهمه، أم أن للمقام غير المقال، أعتقد بصراحة مطلقة أنها كلها مجتمعة، لكن يجب ألا نحاسب الوزير عن الحديث عن الفكر، وهو يفكر بصوت مرتفع عن ثقافة اجتماعية لا نختلف في تفاصيلها أو ملامح ما أشار إليه.
لكن هذه ليست القصة.. القصة الأهم في المشروع أو البرنامج الذي يستعد لطرحه على مجلس الشؤون الاقتصادية، وماذا سيكون مصيره، ثم إذا تمت الموافقة عليه سيخرج للرأي العام. وسيكون مثارًا للحوار والجدل الفعلي. بل هو التقييم الفعلي الذي سيحدد قدرة الوزارة والوزير. حتى لا يطول الوقت ونحن ندور بين أيهما أولاً البيضة أو الدجاجة، أقصد السكن أم الفكر..!
قصة الفكر لا أعتقد أنها البرنامج حتى الآن على الأقل، قد تكون جزءًا، لكنها ليست بأي حال مجالاً لتقيم الأداء. وقياس نجاح الوزير في تحقيق أهداف برنامجه.. هي فقط في رفع نسبة المواطنين المتملكين لسكن في وطنهم..!