د.خالد بن صالح المنيف
من أروع القصص التي قرأتها عن مجالدة الواقع ومغالبة الأزمات وتجاوز المنعطفات قصة (فكتور فرانكل) الذي يقول عنه ساهاكيان: (في فيينا بالنمسا عاش رجل كان وجوده مزيجا من الدراما والانتصار، من الفوز والهزيمة، إنه فيكتور فرانكل، الذي قدم 29 كتابا، وبدأ نشر أولى مقالاته في التاسعة عشرة) وهو الطبيب الذي اعتقله النازيون وهو في الثلايثنات من عمره، ووضع في معسكرات رهيبة للتعذيب، وفقد حينها زوجته الحامل ووالديه وأخاه وعاش ظروفا صعبة حيث حبس في معتقل (اوشفايتز) وأغلب من معه قتل أو جُن! وقد بقي صامدا، بل وكان معينا للبعض ومساعدا لهم على الصمود، وقد كان السر لي كل تلك القوة: أنه أوجد لحياته معنى تمسك به وجعله زادا له ووقودا! وبعد أن أطلق سراحه قال كلاما عجيبا: آخر حرية يتمتع بها الإنسان هي أن يختار توجها معينا مهما كانت الظروف التي يواجهها!
فرانكل الذي آمن بوجود العلاج بالمعنى، يقتبس من نيتشه مقولته (إن من يجد سبباً يحيا به، فإن في مقدوره غالباً أن يتحمل في سبيله كل الصعاب بأي وسيلة من الوسائل)، وقد دون خبرته وتجربته التي عاشها أثناء حبسه ثم طور هذا الرجل مدرسة في علم النفس تسمى العلاج بالمعنى أو مدرسة فيينا الثالثة للعلاج النفسي، ومدارها يقوم على مساعدة البشر على إيجاد هدف وغاية في حياتهم!
* فهل سألت عن الشيء الذي يصنع الفارق في الحياة؟
* وما الذي يجعل بعض الناس متميزا متفوقا رغم صعوبة الظروف؟
* وما السر في أن البعض ومن هفوة أو كبوة يتنازل عن حياته بالانتحار؟
* وما هو السر في أن البعض ينعم بسلام داخلي وارتياح نفسي وسكينة ؟
* لست أشك في أن الإجابة على تلك الأسئلة هو: وجود معنى للحياة!
وقد سطر لنا التاريخ قصصا في الثبات بسبب قوة المعنى ومنها ما جرى لبلال وصهيب وآل ياسر وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم من تفنن في التعذيب الجسدي والنفسي والصبر العجيب الذي واجهو تلك الفضائع! والإنسان المؤمن بربه صاحب معنى عميق ويصفه عبدالوهاب مطاوع بكونه لاتحطمه النوازل والمحن.. وانما يتقبلها بصبر واحتساب ويتطلع إلي تعويض السماء له عما فقده خلال معركة الحياة.. ويعين نفسه على تقبل حياته بعد ماشهدته من متغيرات.
يقول رجل الأعمال والمؤلف: ويليام كليمنت سونت: هناك اختلاف بسيط ؛ولكنه اختلاف يحدث فارقا كبيرا، هذا الاختلاف هو التوجه! وأما الفارق الكبير فهو ما إذا كان إيجابيا أم سلبيا! وأعظم توجهاتك خطورة هو: المعنى الذي تعطيه لحياتك؟
والمعنى هو رؤية وأسلوب حياة وفكر داخلي وهو من يصنع سلوكياتك ،يقول فرانكل فكتور في كتابه ( بحث الإنسان عن المعنى : مقدمة في العلاج بالمعنى ): ما كان يعوزنا حقيقة هو تغير أساسي في اتجاهنا نحو الحياة. إذ كان علينا أن نعلم أنفسنا، كما كان علينا أن نعلم الأشخاص الذين استبد بهم اليأس، بأن ما هو متوقع من الحياة ليس في واقع الأمر هو موضع الأهمية، بل إن مايعنينا هو ما الذي تتوقعه الحياة منا) وكان يعتقد كثيرا بقول ديستوفسكي: (يوجد شيء واحد فقط يروعني، وهو ألا أكون جديرا بالآمي). فالحياة عند فرانكل عامرة بالفرص التي تمكن الإنسان من استخدام قدراته في تقديم عمل رائع ، حتى لو كانت حياة محن والآم ومعاناة!
وأقول : أي معنى للحياة إذا ما خلت من الغاية الأسمى وفقدان الغاية العظمى التي خلقنا من أجلها! والله لن يؤتى الإنسان قوة ولاصبرا ولا طاقة ولا صمودا إن كانت الغاية مادية، والأمر غير خاضع للاجتهادات البشرية لأنهم سيشرقون ويغربون وعقولهم غير قادرة على التوصل للهدف الحقيقي وقد شقي الناس لجهلهم بالمعنى الذي يضيفونه على الخير والشر فلا هم يحسنون التصرف لا مع هذا ولا مع ذاك ! فالمعنى الذي يجب أن يكون حاضرا ولا يغيب أننا خلقنا لعبادة الله وأن ما يجعلنا نتحمل المشاق ونكابد الصعاب ونتجاوز المنعطفات وما يسري الهم ويهون الوجع هو الطمع بمرضاة الله والفوز بجنته.
ومضة قلم
الإيمان بالقضاء والقدر حالة إيمانية شعورية راقية تقدم الدعم المعنوي الكافي للسير في رحلة الحياة وتقوي قدرة المكروب على إكمال الطريق!