د. حمزة السالم
كل 14 ثانية يزداد عدد الأمريكان، أمريكياً واحداً. وبالأرقام التقريبية، ففي كل يوم تدفع أرحام نسائهم بأحد عشر ألف طفل تقريباً. وفي كل يوم، تسترجع أرضهم أكثر من سبعة الآف، {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ..}. وتحتضن بلادهم قرابة ثلاثة آلاف مهاجر يومياً، ليصبحوا مواطنين أمريكيين. فكأنهم يعوّضون بعض موتاهم من أرحام نساء أعدائهم وحلفائهم. وبهذا يزداد عدد الأمريكان بأكثر من ستة آلاف مع كل مغيب الشمس عن كالفورنيا. فهم اليوم 322 مليون نسمة. يقبع أكثر من مليون ونصف منهم في السجون الأمريكية، وقد تم إدانتهم والحكم عليهم. بينما يحتجز في مراكز الحجز المحلية، ما يقارب من ثمانمائة ألف. وفي مراكز الإصلاح، تنقضي طفولة 80 ألف طفل. أي أنه لا يمر يوم على أرض الحرية، إلا وقد بات في سجونها ما يقارب من مليون ونصف سجين.
فأمريكا قد اعتادت التفوق بمراحل على العالم في كل شيء تقريباً. ولهذا فهي تحتضن ربع مساجين العالم المُدانين بجريمة، رغم أنّ سكان أمريكا، لا يتجاوز 5% من سكان العالم. فقد فاقت أمريكا العالم في عدد مساجينها تفوقاً ساحقاً. فمساجين أمريكا يزيدون بمليون سجين عن مساجين الصين رغم أن سكان الصين أربعة أضعاف سكان أمريكا. وتفوقت على روسيا بأكثر من مليون ونصف سجين، وتجاوز مساجينُ الأمريكان مساجينَ الهند بقرابة المليونين. وبلغت نسبة مساجين أمريكا لنسبة السكان، خمسة أضعاف النسبة في بلادنا، وسبعة أضعاف النسبة في الصين. فكل مائة ألف من سكان الصين، هناك 120 سجينا، مقابل 700 سجين في أمريكا و466 في روسيا و33 في الهند، بينما تتقدم بريطانيا البلاد الأوربية الغربية في ارتفاع نسبة المساجين، ففي كل مائة ألف من السكان هناك 148 سجينا (وهذه المقارنات حسب دراسة معهد بحوث سياسة الإجرام (ICPR).
فسجون أرض العلم والتطور أكثر من جامعاتها وكلياتها. فعلى أرض الحرية شُيد أكثر من ثلاثة آلاف سجن، تُنتهك فيها حريات وكرامات أكثر من مليون ونصف، فسجون أمريكا ما زالت تعيش ثقافة القرون الوسطى المظلمة.
وأكثر من نصف جرائم المساجين مروعة. فهي بين قتل واغتصاب وسطو مسلح. يُعدم منهم فقط ما يقارب بالمتوسط خمسين سنويا، شنقا وصعقا بالكهرباء وشللا بالإبر القاتلة، بينما يقضى الباقي عقود من أعمارهم في السجون إن لم يقض عمره جميعه في تلك السجون المريعة. وأما النصف الثاني من المساجين، فهم بين لص ومخادع ومزور وتاجر مخدرات أو حاملها، وسائق سكران وحامل سلاح بلا ترخيص ومتهجم على عرض ومنتهك لسمعة أو خصوصية. ويشكل المهاجرين غير النظاميين من ربع إلى ثلث مجرمي أمريكا، رغم أن عددهم لا يتجاوز 3.5 % من السكان. كما يشكل السود وذوو الأصول الأسبانية أكثر من نصف المساجين، رغم أنهم لا يشكلون ربع سكان أمريكا.
وكل ما سبق من إحصاءات ، مصادرها حكومية رسمية. وأما كون أن بين كل أربعة أمريكان، ستجد أمريكيا واحدا عليه سجل إجرامي، فهذا أنقله عن جريدة وول ستريت الشهيرة. ففي عددها الصادر 18 أغسطس 2014 جاء الخبر : بأنه خلال العشرين عاما الماضية قامت السلطات باعتقال 250 مليونا (ربع مليار) شخص، وخلف لديها 77 مليون اسم في ملفاتها.
ومن إن بي سي نيوز، فقد قالت: إن في السجون الأمريكية ملفا لكل أمريكي واحد مقابل 31 أمريكيا. أي أن ما بين كل ثلاثين أمريكيا هناك أمريكي دخل السجن أو وجب دخوله لكن استبدل بأعمال اجتماعية وفترة مراقبة معينة.
هذه معلومات فاجأتني. فقد أمضيت من عمري عشر سنين في أمريكا، ولم أر شرطيا غير شرطي المرور. وإن كان قد سبق لي زيارة بعض سجونها للاطلاع عليها عندما كنت عسكريا. فرأيت السجون الأمريكية تتراوح بين نادٍ يتجمع به بعض الأصدقاء، وبين قلعة سجن مريعة وكأننا في العصور المظلمة.
وفي المعلومات السابقة وقفات كثيرة لا يتسع لها المقال، إلا أن هناك نتيجة تظهر من المقارنات توحي بأن عدد السجناء والسجون، ليس مؤشراً دالاً على أي شيء إذا ما اعتُبِر لوحده.
فهل يمكننا الجواب عن السؤال: لمَ تحتضن أرض الحرية ربع مساجين العالم؟ وليس هذا في بلاد العالم الحر الأخرى. فالجواب كالخلاصة التي قبلها، وهو أنه لا يمكننا الجواب دون الأخذ بباقي المعطيات.
ولكن هناك سؤال يفرض نفسه، وأعتقد أنه يمكنني الإجابة عليه. فالسؤال هو لمَ لا يتذمر الأمريكان من ارتفاع نسبة السجون عندهم. وفي كون أن ربعهم له ملف إجرامي، وإن لم يحكم عليه شيء. وإن كل ثلاثين منهم قد أدين واحد، فأدخل السجن أو استبدلت العقوبة بعقوبة خارج السجن؟. الجواب في أمرين. الأول هو ثقة المواطن الأمريكي في القضاء الأمريكي. والثاني أن النظام موضوع لحماية المجتمع وحريات الأفراد، والقانون فوق الجميع، ثابت معلوم لا يتغير ويتبدل بمزاج فقيه.