جاسر عبدالعزيز الجاسر
نعود مرة أخرى إلى حالة الخوف المستشري في معظم الدول الأوروبية، التي اضطرت لمواجهة الإرهاب الأعمى إلى تجاوز كل محظورات النيل من حقوق المواطن إلى فرض القيود، وأصبحت معظم تلك الدول تحت رحمة قوانين الطوارئ والإجراءات الأمنية الصارمة التي تقيد كثيراً من حرية الإنسان. الطوارئ أصبحت حلاً وإجراءً تقدم عليه الحكومات لمواجهة جرائم الإرهاب، فبالإضافة إلى فرنسا وبلجيكا وصل الأمر إلى السويد، التي وإن فرضت الدرجة الرابعة من الطوارئ وهي أدنى درجات الحزم الأمني، مقارنة بما فرضته فرنسا وبلجيكا اللتين استعانتا بقوات الجيش وأصبح مرأى الدبابات والمدرعات وناقلات الجند بالإضافة إلى رجال الصاعقة والقوات الخاصة منظراً مألوفاً في شوارع باريس وبروكسل.
هذه الدول معذورة فيما أقدمت عليه لأنها تهدف إلى حماية مواطنيها وتعزز أمن من يقيمون على أراضيها، ولأن الحفاظ على الحياة أهم عند شعوب تلك الدول وكل شعوب العالم، فإنهم تقبلوا وبتعاون تام وحضاري مع الإجراءات الأمنية وتغاضوا عن كل ما من شأنه أن يحد من حرياتهم وتحركاتهم، وتبنّت كل البرلمانات في تلك الدول ما اتخذته حكوماتها دون أي اعتراض، حيث اختفت المعارضات والألاعيب السياسية التي لا يمكن أن يقبل بها الشعب في مثل هذه الأحداث.
كل هذا متوقع، فهذه الشعوب التي اختارت حكوماتها لا بد أن تقف معها في وقت المحن، خاصة أن الإجراءات تسعى إلى تأمين الحماية لهم، ولكن الأوروبيين جميعاً من فرنسا إلى بريطانيا وبلجيكا وكل دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى روسيا، يتساءلون إلى متى يظل الخوف مسيطراً عليهم، وأن الإرهاب يهددهم بين الفينة والأخرى.
هذا التساؤل اهتم به الباحثون الإستراتيجيون وعلماء الاجتماع والخبراء الأمنيون، بعضهم أعطى صورة تشاؤمية أصابت الكثير ممن سمعوا آراءهم وقرأوا أبحاثهم التي تقول إن الإرهاب سيظل يهدد العالم أجمع أعواماً طوالاً قد تصل إلى أكثر من عقد، وأنه مثلما أن الغرب ليس وحده الذي سيكون هدفاً للإرهاب، فلن يقتصر الأمر على تنظيم داعش، فمثلما كان تنظيم القاعدة المصدر الأول للإرهاب، سيظهر تنظيم إرهابي آخر، إذا ما أفلحت الجهود الدولية في القضاء على تنظيم داعش، فطالما التمييز الاجتماعي وتغليب المصالح الضيقة لبعض الدول وبالذات الدول الكبرى القادرة على تدمير الدول والشعوب وتفكيك المجتمعات لإيجاد حالة من الفوضى، وتبني بعضها -إن لم تكن جميعها- للجماعات الإرهابية وتوظيفها لخدمة مصالحها وتنفيذ أجنداتها، فإن الإرهاب سيتواصل ويظهر أكثر من تنظيم إرهابي، قد يكون أشرس وأكثر رعباً من داعش، مثلما ولد تنظيم داعش الذي تفوق على القاعدة في أعماله الإجرامية.