م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. حينما قال الرسول الكريم ما معناه: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» كان يعني: جهاد النفس.. حيث يضع عليه الصلاة والسلام اللبنة الأولى لحقيقة يجب أن يعيها كل فرد وهي أن صراع الإنسان في حياته ليس صراعاً خارجياً مع الآخرين من أفراد أو بيئات أو جغرافيا، بل صراع داخلي مع النفس.. فإن انتصرت عليها فقد انتصرت في حياتك.
2. الفاشل فقط هو من يرى أنه في صراع دائم مع قوى خارجية.. ويرى أن مشاكله والعوائق والصعوبات التي تواجهه هي بفعل فاعل غرضه أن يعيقه.. ويتخيل أنه في مسيرة حياته في حالة صراع مع الذين يقفون في طريق سعيه نحو تعديل أوضاعه الخاطئة.. وما يدري أن ما يحصل له في الخارج ما هو إلا انعكاس لما يدور في داخله.. وأنه لن يغيّر وضعه من الخارج إلا بتغيير وضعه من الداخل.. ففي داخل كل منَّا عالم قائم مستقل بذاته وهو المتحكم بما يحصل في الخارج.. وقد نصَّ الله تعالى في كتابه الكريم على هذه الحقيقة قائلاً: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} .
3. ولبيان أثر الداخل عليك وتأثيره في تصرفاتك الخارجية هل لاحظت ماذا يعتريك إذا وقفت أمام جمهور تريد أن تلقي أمامه كلمة أو مداخلة؟.. ألم يسبق أن تلفظت بكلمات ندمت عليها فوراً بعد قولها؟.. ألم تنبري وبانفعال في الدفاع عن نفسك في وجه أي انتقاد مع علمك أنه انتقاد صحيح؟.. ألم تجد نفسك تعمل ما تحب لا ما يجب؟.. ألم تتصرّف مع والديك أو زوجتك أو أبنائك أو زملائك أو أصدقائك تصرفات ندمت عليها أشد الندم؟.. ألم يسبق لك أن فقدت رباطة جأشك في موقف كان يُفْتَرض فيك أن تكون فيه رابط الجأش؟.. إلخ.. أرأيت؟.. إنك من الداخل تعتبر المؤثّر الأكبر على كل شيء يحيط بك من الخارج!
4. إذاً لماذا يؤثِّر داخلك على خارجك بينما من المفترض أن يكون العكس؟.. الجواب أن ابن آدم خلطة مدهشة من السمات والصفات المتعدِّدة والمتنوِّعة لكن أغلب الناس تطغى عليهم سمة واحدة هي التي تتسيد صفاتهم الشخصية ويراها الناس ويحكمون عليهم من خلالها.. مع أن تلك السمة أو الصفة لا تعبّر عن الحقيقة كلها.. فظهور جزء من الشخصية وطمس بقية الأجزاء يشوِّه حقيقة الشخص مهما كان.. كما يؤدي إلى خلل في الأداء الشخصي ويحول دون استغلال إمكاناتنا كلها ومكامن القوة فيها.
5. إذا أردنا أن نذم شخصاً ما نقول عنه إنه بوجهين.. والحقيقة أن الإنسان بألف وجه وليس وجهين فقط.. فكل سمة شخصية لها وجهها الخاص في كل موقف أو حدث.. لذلك علينا أن نتعرَّف على شخصياتنا الداخلية.. وأن نتعلَّم كيف نحدثها ونوجهها ونتفاوض معها.. وكيف نجعلها تركز أو تهتم.. وأن نتعرَّف على ما يحفّزها أو يحبطها أو يشتتها.. وأن نمرّن أنفسنا على استكشاف آليات عملها ومصادر قوتها ومكامن ضعفها.. فهذه السمات الشخصية تتأثر بالبيئة والتربية وعادات المجتمع وتقاليده ومصادفات الحياة التي تترك أثرها في الشخصية مهما تكن.