عبدالعزيز السماري
لن تطول الهدنة مع التطرف والإرهاب مهما حاولنا الهروب من المواجهة الحتمية مع جذوره؛ فالتطرف أفكار وتقاليد قبل أن يكون ممارسة، والتطرف سلوك إقصائي قبل أن يكون عنفاً، والتطرف فهم جامد للدين قبل أن يكون فتاوى تُحرم كل جديد.
قد تساهم الحلول الأمنية في الحد من ظواهر العنف الفردية، لكنها لا تعالج جذور وأصول التطرف التي تنطلق منها أعمال العنف؛ فالعقول قد تختار الصمت والانكفاء لبعض الوقت، لكنها تنتظر الفرصة في المستقبل للظهور مرة أخرى؛ لذلك لا تكفي الحلول الأمنية لمعالجة التطرف، إذا كانت مصادرها تحظى برعاية واهتمام وحماية.
من أهم خطوات معالجة التطرف الخروج من إطلاق الأحكام والفتاوى الأحادية التي لا تقبل حق الاختلاف حولها، على أنها الحق المبين. ومن خلال نظرة سريعة لأحكام الفتاوى لحياتنا اليومية سنجد أننا نعيش في المحرمات؛ فالموسيقى حرام والتلفاز حرام والأدب الحر حرام ومشاهدة الدوري حرام وعمل المرأة في المستشفيات حرام والسفر للسياحة حرام.
الاستمرار في تقديم مثل هذه الأحكام التحريمية لصور الحياة الحديثة في التعليم والإعلام على أنها الدعوة الحق هو دعوة مفتوحة للتطرف ولممارسة العنف ضد المجتمع من أجل إعادته إلى جادة الصواب؛ ولذلك لا تجدي الحلول الأمنية إذا كانت الأحكام الفقهية تحرم مختلف أوجه الحياة، والواقع يخالفها، فالدعوة مستمرة لمزيد من الغضب والتطرف.
لن تجدي الحلول الأمنية إذا تحول المتطرف العنيف إلى مجاهد ضد الرذيلة في المجتمع، كما تصفها الفتاوى التي تحرمها. سيظل المتطرف رمزاً لتقويم الحياة وإعادتها إلى جادة الطريق حسب بعض الفتاوى المنشورة، وسيظل بطلاً في نظر المؤمنين بالنهج الأحادي الذي يحرم مختلف أوجه الحياة الحديثة.
لن تجدي الحلول الأمنية إذا كان رجل الهيئة المتزمت يطارد الناس في ملابسهم وتصرفاتهم بصفة رسمية، بينما هو في واقع الأمر يروج للفكر المتطرف، ويساهم في نشره على أنه الحق المطلق، بينما ذلك غير صحيح، فالاختلاف في تفسير الدين مشروع ومحمود في مثل هذه الأمور.
لن تجدي الحلول الأمنية إذا كان هناك في التعليم من لا يزال يروج لثقافة المواقف المتطرفة من الأشياء، ويطالب بالحد من الابتعاث إلى الخارج، الذي يعتبر بوابة الخروج من ثقافة التزمت. ولو تأملنا تجربة كوريا الجنوبية في الابتعاث لأدركنا سر التحول الكبير في المجتمع الكوري.
من أجل جدوى أكثر للحلول الأمنية نحتاج إلى التحول سريعاً من مصطلحات التراث إلى المفاهيم الحديثة في الإدارة، وإلى استعمال المصطلحات الحديثة عند تناول قضايا المجتمع، وإلى توسيع فرص مشاركة المجتمع في التنمية ودفع الناس نحو المستقبل.
نحتاج إلى التحول سريعاً من مجتمع الرعايا الذي يعيش على الإعانات والهبات الفردية إلى مجتمع صناعي منتج، ولن يخرج الحل من الاستمرار في تأسيس المدن الصناعية المتكاملة في مختلف أنحاء المملكة، التي تطبق الآليات الحديثة في الإدارة، وتعنى بنقل التقنية والمنتجات الحديثة إلى الوطن.
نحتاج إلى الاستثمار أكثر في تنمية السياحة ونشر ثقافتها التي تعتمد على تعزيز العلاقات الإنسانية مع الثقافات الأخرى. وتعتبر الثقافة السياحية بمنزلة المقياس الدقيق على درجة التحول من الانعزال إلى الانفتاح على العالم.
نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة برامج الترفيه إلى الحياة الاجتماعية، ونشر المسارح وفتح دور السينما وتعزيز قنوات السعادة في المجتمع، وطرد الكآبة التي تهيمن بصورة مخيفة على كثير من العقول في المناطق النائية.
نحتاج إلى طرد ثقافة الفقر والحاجة، التي تولد تلك الرغبة الجامحة في الخروج عن الخط العام، والاستجابة لنداءات التغيير من خلال التطرف والعنف والقتال. ولو راجعنا مختلف ثورات التطرف في العالم لاكتشفنا أنها تبدأ أول فصولها في شوارع الأحياء الفقيرة.
أخيراً، ومن أجل تعزيز الحلول الأمنية للتطرف، نحتاج إلى تعزيز ثقافة النزاهة وتبرئة الذمة أمام الناس، التي تعتبر مفتاح الاستقرار الأول، فاختلال الثقة بين الناس والمسؤول يبدأ عند أول إخلال بمبادئ النزاهة في تحمل المسؤولية، فالناس لديهم القدرة في فهم استغلال المسؤول للثقة من أجل مصالحه الشخصية. والله على ما أقول شهيد.