جاسر عبدالعزيز الجاسر
ما كان يتخوَّف منه المراقبون العسكريون والسياسيون، الذين يتابعون المعارك في سوريا التي اتسعت مساحتها، وتوسع مسرح عملياتها العسكرية بعد التدخل الحربي الروسي، وَقَعَ صباح يوم الثلاثاء؛ إذ أسقطت الطائرات التركية الحربية مقاتلة روسية من نوع ساخوي 24، يقول الأتراك إنها دخلت الأجواء التركية، وإنهم وجَّهوا لها تحذيرات متكررة، ولما لم تستجِبْ لتلك التحذيرات أطلقت طائرة إف 16 صاروخ جو - جو، أسقط الطائرة التي يقول الروس - وهو ما أكده الرئيس بوتين - إنها كانت على بُعد كيلومتر من الحدود، وإنها سقطت داخل الأراضي السورية على بُعد أربعة كيلومترات، وإن طيارَيْها الاثنين سقطا بالمظلة، وأحدهما تُوفِّي في منطقة خاضعة للثوار السوريين، والآخر سقط في منطقة التماس بين خطوط القتال بين الثوار وقوات نظام بشار الأسد.
بإسقاط الطائرة الحربية الروسية، رغم تأكيد الجانبين (الروسي والتركي) الالتزام بضوابط الاشتباك في أجواء مسرح العمليات فوق سوريا والأراضي المجاورة، خاصة عند الحدود مع تركيا، حدث ما كان يحذر منه المحللون الاستراتيجيون؛ إذ رفعت حادثة إسقاط الطائرة الروسية وتيرة السجال بين البلدَيْن، وصدرت أقوال من كبار المسؤولين، ومنهم الرئيس الروسي، الذي قال إن حادث إسقاط الطائرة ستكون له عواقب وخيمة، فيما رأت تركيا أن الطائرات الحربية الروسية اخترقت الأجواء التركية وقواعد الاشتباك التي اتفقت قيادتاهما العسكريتان عليها مع بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا.
وقد صعّدت تركيا من إجراءاتها بعد الحادثة؛ فبعد استدعاء القائم بالأعمال الروسي في أنقرة طلبت تركيا من حلف الناتو عقد اجتماع استثنائي عاجل، وهو ما اعتبره الرئيس الروسي بوتين دعماً تركياً، يسعى إلى توريط وإشراك الحلف الأطلسي في دعم الإرهاب، حسب قوله؛ لأن بوتين يرى في الحد من حرية حركة طيرانه الحربي، الذي يقول إنه يستهدف مواقع الجماعات الإرهابية، تشجيعاً لتلك الجماعات على مواصلة جرائمها مستندة إلى حمايتها من قِبل الأتراك والحلف الأطلسي. فيما يرد الأتراك بأن الطيران الحربي لا يستهدف الجماعات الإرهابية، وبخاصة مواقع تنظيم داعش؛ إذ يركز هجماته على مواقع قوات المعارضة المعتدلة، وبخاصة مواقع الجيش السوري الحر.
المحللون السياسيون والعاملون في مراكز الأبحاث الاستراتيجية يرون أن حادثة إسقاط الطائرة الروسية الحربية ستشكِّل بداية لمرحلة جديدة في العمليات العسكرية التي تتم على مسرح العمليات الحربية في سوريا، سواء في الجو أو على الأرض، بل يتعدى ذلك إلى البحر، بعد دخول ناقلة الطائرات الفرنسية دي جول المعركة، ووضع بريطانيا قاعدتها العسكرية في قبرص تحت تصرف القيادة العسكرية الفرنسية.
ولا يهم ما سوف يُعلن عن صحة اختراق الطائرة الروسية للأجواء التركية أو عدم صحة ذلك؛ فكلا الجانبين (الروسي والتركي) يعلم ما حدث بالضبط؛ لأن طائرات الرصد، سواء الروسية أو التركية، قد أثبتت حقيقة ما حصل، وهو تعرفه كلتا القيادتين في موسكو وأنقرة؛ لذا فهما تعالجان الأمر وفق المسارات السياسية التي ستبيّن في الأيام القادمة هل ستتوجه إلى التصعيد أم تُحدُّ المصالح الاقتصادية بين البلدين من التصادم العسكري بينهما، الذي سيكون مدمراً، ليس للبلدين فحسب، بل لسوريا والمنطقة بصفة عامة؟