د. حمزة السالم
انصرمت عشر أعوام منذ أن بدأت التوعية بحاجة المواطن والاقتصاد لفرض رسوم على الأراضي. وبالأمس القريب جاءنا خبر نظام فرض الرسوم يرفل في خيلاء أبهجت الشارع وأضاءت الأمل في قلبه بقرب حلم امتلاك منزل في وطنه. واستبشر الحريصون على استقرار سوق العقار بالنظام خيرا. فقد سادت السوق ضبابية هائلة.
وقد اطلعت على النظام كما نشرته جريدة الحياة يوم الثلاثاء، فوجدته ضبابيا، قد ترك الأبواب كلها مشرعة، فأينما اتجهت أفكارك فستجد لها مدخلا في عبارة جملة أو صياغة فقرة تضمنتها مادة من مواد النظام.
فابتداء من المادة الأولى التي تحدد مقاصد ومعاني المصطلحات، جاءت عبارة تلغيها لتفتح باب التأويل وهي عبارة «ما لم يقتض السياق خلاف ذلك.» فالمواد التي تلت، قد جاءت في سياق يحتمل اقتضاء معاني مختلفة.
فمثلا: المقصود بالأراضي البيضاء: «كل أرض فضاء مخصصة للاستخدام السكني، أو السكني التجاري» وماذا عن التجاري البحت؟ أو الصناعي أو الترفيهي. قد يقول المُشرع: هذه تحددها المعايير التي ستنص عليها اللائحة كما في المادة الرابعة الفقرة الثانية والثالثة ونصهما» 2- معايير تحديد الأراضي التي تخضع لتطبيق الرسم. 3- المعايير التي يتوقف عند تحققها تطبيق الرسم.» وأقول أن الأقرب لغويا ومنطقيا وتسلسلا ارتباطيا طبيعيا لمواد النظام وفقراته، فإن هاتين الفقرتين تخصصان لا توسعان. فهما تضيقان من الأراضي السكنية والسكنية التجارية، القابلة للرسوم.
ثم أن هذه المعايير التي تحدد الأرض التي تخضع لتطبيق الرسم هي محور النظام وقلبه وجوهره، فما بال المشرع اختزلها فلم ينص فيها على شيء. بل ضيقها بالفقرة التي بعدها، ووسع باب التفسير في إخراج كثير من الأراضي التي قد تكون ضمن ما شملته المعايير. فقد تخضع الأرض لمعايير تحددها اللائحة كما في الفقرة الثانية، ولكن قد تفسر بأن خضوعها للتطبيق أمر نظري، ولكن لا يمكن أن يفرض الرسوم عليها لأنها بالفقرة الثالثة لا يمكن تحقيقها. ففي هذه الفقرتين في المادة الرابعة فقط، فجوة واسعة، -إن لم تغلقها اللائحة، - تسع أشكالا وألوانا لا حد لها من التحايلات والتلاعب، واستغلال لفجوات النظام. خاصة أن أهداف النظام التي نصت عليها المادة الثانية تعطي الحجة لعضو اللجنة الذي يريد اجهاظ النظام. فالهدف الأول للنظام كما جاءت به المادة الثانية نصه «زيادة المعروض من الأراضي المطورة بما يحقق التوازن بين العرض والطلب.».
فتكون هناك مثلا، أراضي تساوي المليارات ولكنها غير مطورة، وإن كانت داخلة ضمن المعايير التي ستنص عليها اللائحة المفسرة للفقرة الثانية من المادة الرابعة. فهنا يأتي دور الفقرة الثالثة التي بعدها، والتي قد يظن البعض أنها تكرار لا فائدة منه. فمثلا المعايير قد تشمل الكهرباء والطرق، فيأتي مالك الأرض الغير مطورة وهي وسط المدينة فيتحجج بأنها لا يمكن تحقيقها في أرضه، فلا يدفع الرسوم.
ومثال آخر، ويمكنه كذلك الاستشهاد بالهدف الثاني ونصه «توفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة.» ويستشهد كذلك بتعريف الأرض البيضاء بأنها السكنية تجارية كانت أو لم تكن، وستدل أيضا بعنوان النظام «نظام رسوم الأراضي البيضاء» ثم يلغي رسوم أرض بعشرات المليارات وهي غير مطورة، اعتمادا على الفقرة الثالثة في المادة الرابعة التي تشترط تحقق المعايير التي ستنص عليها اللائحة كما في الفقرة الثانية. فهي استراحات أو اسواق أو ملاعب أو مستودعات.
فالذي أراه من النظام أنه سيكون منطبقا على ملاك الأراضي الصغيرة التي يمتلكها غالبا الشريحة الشعبية التي تملك الأراضي، بينما تستثني كبار الملاك.
وإلا فلماذا اختزلت الفقرة الثانية والثالثة في المادة الرابعة، وهما جوهر النظام، مع حشد لهما من دعائم وشواهد في الأهداف والتعاريف. بينما توسع في المواد الأخرى التي كان بالأحرى اختزالها.
كالمادة الخامسة والتي تشير إشارة إلى المعني الذي ذكرته. فمن سينطبق عليه الرسوم هم غالبا ملاك الأراضي الصغيرة، والتي قد يكون هناك إشكاليات الصكوك أو نحو ذلك.
والمادة السادسة، نظام عقاب المخالف والمتهرب. هي مادة تدعو لمحاولة المخالفة إذا ما كانت احتمالية كشفها كبيرة.
لانه إن كُشف فالعقوبة قد تكون يسيرة ولا تتعدى مهما بلغت مضاعفة الرسوم.
وهناك الكثير من الفجوات التي تتحمل التفسير في هذا النظام، ولكن أعان الله لجنة صياغة اللائحة. فالنظام رمى الكرة في ملعب وزارة الإسكان.
ثم قيدها بأعضاء من الوزارات، ولكل عضو رأي واتجاه خاص وعام وتوصية، فلا أعتقد أن النظام سيخرج عن رسوم تفرض على صغار الملاك، مالم يتحرك المفكرون والقانونيون والكُتاب، في توضيح فجوات النظام، لإعانة وزارة الإسكان على قيادة اللجنة لصياغة اللائحة التي اعتقد الشارع والسوق العقارية أن أمانيه قد تحققت بصدور النظام, بعد أن انصرمت عشر سنوات في انتظار نظام لم يأت بجديد مأمول، بل جاء بالذي كان محذورا منه، وهو الرسوم على صغار الملاك دون كبارهم.