عبد الله باخشوين
.. ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ * وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ * وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا * وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)).. الآية رقم (7) آل عٌمران...
.. دائماً تحضرني الآية الكريمة عند تأمل أحوال العرب.. ليس للذهاب للنظر في بعض ممارساتهم الدينية بين الاعتدال والتطرف مثلاً.. لكن للنظر في تقلبات علاقاتهم الدولية خلال مختلف مراحل الصراع العربي الإسرائيلي.. بتأمل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.. والتفسير العربي لها دون التدقيق ((الحرفي)) في صياغة ((نصوصها)).. حيث لا تلبث فرحة العرب بما يقرأونه ويترجمونه ويفسرونه لنصوص القرارات أن يتحول إلى كارثة أو فاجعة.
لأن ((اللعب)) على ((اللغة)) أو ((اللعب مع اللغة)) هو القضية الشائكة التي لا يلتفت العرب لها حين يقرأون ويفسرون ويترجمون.
فإذا كانت لغة العرب يحفل فصيحها بـ((الجناس)) وتشابه الكلمات على اختلاف معانيها وكل ما يرد في علم البلاغة من سجع وجناس وطباق ومقابلة ومحسنات البديع.. يدخل الكثير منه في ((المتشابه)) بعيدا عن المعنى الإلهي.. ولكن بالمعنى البلاغي الأدبي.. وفي لهجات العرب العامية في كل دولة على حدة.. نجد في الشعر الشعبي والنبطي وغيره لعبة لغوية ثرية جداً ومبدعة وموحية وخلاقة.. تضيء الشعر وتضيف له وتلهم مخيلة سامعه من خلال ما يرد فيه من جناس وطباق وما إلى ذلك من المحسنات.
أما في اللغات الأخرى فنجد هذا حاضراً في الانجليزية بطريقة أخرى تقوم على لعبة الحروف أو ((اسبلنق))..في الكتابة والنطق أيضا. لأن كلمة انجليزية واحدة قد تصبح ثلاث كلمات متباينة ومتناقضة حسب موقعها في الكلام وحسب تشكيلها واختصار نطقها.. كفيل بتبديل المعنى.. أما في حال الكتابة فإن إضافة حرف.. أو حذف حرف.. كفيل بتبديل المعنى.. هذا بالإضافة أن اللغة الانجليزية قد تدمج عدة حروف لتصبح في موقع ما مجرد حرف واحد حين تٌنطق.
حدث هذا مع العرب في تفسير أكثر من قرار للأمم المتحدة.. وعلى سبيل المثال تحول الفرح والنصر العربي بقرار الأمم الذي يقول بأن على إسرائيل الانسحاب من ((الأراضي))العربية المحتلة إلى خيبة أمل كبيرة.. عندما أدرك العرب أن الترجمة الحرفية للكلمة يقول بضرورة الانسحاب من ((أراضي)) عربية محتلة.. وطبعاً هناك فرق بين معنى ((أراضي)) التي لا تعني الكل و((الأراضي)) التي تحمل دلالة شاملة.. وهذا ما لعبت عليه الصياغة ((الدبلوماسية)) أو حتى ((التكتيكية)) التي أريد بها أن توهم العرب وترضي يهود إسرائيل.. ذلك يعني أن القضية سوف تٌطوى ((شكلياً)) إلى أن تأتي مرحلة التطبيق التي يكون فيها على كل طرف أن يطالب بتطبيق النص ((حرفياً)) والذي سوف يؤكد حينها وهم العرب الذي جاء نتيجة لعدم دقة ترجمتهم للنص.
على هذا الأساس من القياس يقع الناس في إشكالات كثيرة تتعلق بالتعهدات والعقود والاتفاقيات الخاصة والعامة.
لأن هناك من هو قادر على إيهامك بأنه يعمل لمصلحتك فتقدم له المال والرجال.. فيستغل مالك ورجالك للعمل ضدك من وراء الستار.. وخلال متابعتك له.. ترى أنه يسير على نفس بنود الاتفاق ظاهراً.. دون أن تلحظ أنه قام بخطوات تستغل ما في بلاغة العرب من جناس وما في تحولات اللغة من دلالات ومعان اعتماداً على غفلتك وحُسن ثقتك التي وصلت إلى حد يجعلك متأكداً من أنه لن يجرؤ أن يلعب معك مثل هذه الألعاب المُشينة وأنت سيد نعمته ومصدر الرزق والخير الذي هو فيه.
ثم قد تأتي اللحظة التي تفهم فيها ما كان يقوم به من خلف ظهرك.. وتكون سعيد الحظ إذا جاءت خطواتك استباقية دفعك إليها حدسك وحُسن تقديرك ووصلت إلى المرحلة التي تفسد فيها كل مخططاته التي يقوم بها ضدك بمالك ورجالك.. وعندها لا يكون عليك سوى اختبار قدرتك على العفو والتسامح لتعرف أين ينتهي طريق صفحك وتسامحك مع الخائن والكذاب.