سلمان بن محمد العُمري
من الأمثال الشعبية ما قرأتموه في عنوان هذا المقال، وفي أمثالنا العربية والشعبية حكم وعبر، ويقول العوام «ما خلا الأول للثاني شي» في الإبانة والإيضاح والتوجيه والإرشاد ونقل التجارب. ولا أريد الاسهاب في ذلك لأنه ليس موضوع حديثي بقدر ما هو مدخل وتنويه للموضوع المهم الذي سأتحدث عنه، ولقد كان السابقون قد طرحوا هذا المثل «سمننا في دقيقنا» تلافياً للإشكالات التي قد تقع من مخالطة الغير والتعامل معه ورمزوا لذلك بسمننا ودقيقنا لما يتعلق بالخصوصية. ولم تكن هذه الخلطة والمشاركة والتعامل بعيدة الأمد والمكان والزمان، ولو أنهم عاصروا هذا الزمن ومشاكله فإن أمثالهم وحكمهم وإرشاداتهم ستتضاعف.
لقد أدت حاجة العمل والنهضة الشاملة في بلادنا وما توافر لها من الخيرات أن نستقدم أشكالاً وألواناً من الجنسيات واللهجات والطبائع للعمل في بلادنا، وقدم إلينا الصالح والطالح، والحسن والرديء، والماهر والمتعالم. ولكن الأخطر من ذلك أن يضاف إلى هذه الثقة العمياء في بعض الأجانب وإسناد الأعمال المهمة والحساسة إليهم بل وقصرها عليهم دونما احتياط كالعمل في قواعد البيانات والأمور المالية!!
لست متحيزاً ولا عنصرياً ولا ألقي الكلام على عواهنه بل هي حقائق وبيانات من سجلات المشاكل المالية والمعلوماتية التي تغص بها مراكز الشرط والمحاكم بل وأفظع من ذلك من يهربون بعد تلاعبهم. ولعلي أستشهد بما صرح به مسؤول في الانتربول السعودي عن استرداد عدد من المطلوبين الذين سبق أن ارتكبوا جرائم في بلادنا وفروا هاربين. وساق على ذلك أمثلة ومنهم (متعاقد عربي) اختلس ملايين الريالات وتلاعب بقواعد بيانات شركة اتصالات عريقة مما كبد الشركة خسائر كبيرة وأوقعها في إحراج ومشاكل متعددة مع المشتركين، وآخر من جنسية أفريقية استطاع أن يحتال على عدد من المواطنين ويجمع عشرات الملايين.
والثقة العمياء التي توليها الشركات والمؤسسات والأفراد أوقعهم في مشاكل مالية وفنية لا حصر لها ومنهم من تم اكتشافه بعد (خراب مالطة) وقد استنزف جميع ما حصل عليه وبقي في السجن سنوات دونما طائل، وآخرون لم يقدروا عليه وما زال حراً طليقاً يتنعّم بما حصل عليه، وهذا الاستغلال إنما حصل من تولية هؤلاء السفهاء الأموال والمسؤوليات الكبيرة وحصروا الأعمال المهمة في أيديهم واستغلها ضعاف النفوس!
ربما تم متابعة المطلوبين خارج المملكة بعد ارتكابهم جرائمهم وهروبهم وهو أمر ليس بالهين وهذا قليل جداً، ولكن المشكلة في أن من يقبض عليه يكون قد قام بتصفية ما حصل عليه فلا يثمر القبض عليه في استرداد حقوق، وربما يكون قد احتاط بأن يكون الاختلاس بطرق لا يمكن أن يدان بها إذ لا دليل ولا برهان ثابتا أو مباشرة فيخرج منها بلا إدانة مباشرة.
والحل الأمثل هو أن نلتزم بما قدمه الأوائل من نصائح وحكم وأمثال بأن يكون « زيتنا في دقيقنا «. فعلى الجميع من الأفراد والمؤسسات أن تكون ثقتنا في أبناء الوطن مع الرقابة والمتابعة، ولا يعني الثقة العمياء - أيضاً - والثقة في أبناء الوطن هو بإذن الله أشبه بالضمان وسداً لمشاكل سمعناها ورأيناها. وما زال مجتمعنا يكتوي بنارها ويكفي أن هناك سهولة للمطالبة والمتابعة في حالة الإخلال بالمسؤولية أو التعدي - لا قدر الله - في حين أن (الأجنبي) سيكون مطالبته ومتابعته بالأمر غير اليسير فهناك حواجز رسمية وشخصية وعقبات ستحول ضد استرداد الحقوق والمتابعة بل إن هناك من المطلوبين من أجابت دولهم بأن المطلوب متوفى عبر شهادات وفاة «رسمية» وهو يتنعم بما سلب في ظل حماية رسمية وشخصية في بلاده، والشواهد كثيرة فلا تؤتوا السفاء أموالكم، وحذار من أن تقعوا بما وقع فيه غيركم والسعيد من وعظ.