عروبة المنيف
أظهرت إحصائية صادرة عن مصلحة الجمارك بأن قيمة واردات المملكة من مستحضرات التجميل لهذا العام 2015 قد بلغت 2.3 مليار ريال وبكميات بلغت نحو 44.6 مليون كغم، وتعتبر السوق السعودية منذ زمن بأنها من أكثر أسواق المنطقة إنفاقاً على مساحيق التجميل ومنتجات العناية الشخصية وهذا ما استقطب العديد من الشركات
العالمية في هذا المجال والذي وصل فيه حجم سوق مستحضرات التجميل في المملكة بأكثر من 70 مليار ريال سنوياً وبمعدل إنفاق فردي للسعوديات يفوق الخمسة عشر ألف ريال على تلك المستحضرات!
لا ننكر أهمية العناية بالجسم والجمال الأنثوي ولكن عندما يفوق ذلك الاهتمام التجميلي الحد ويصبح «هوساً» إلى الدرجة التي نصبح فيها أكبر سوق استهلاكي لمستحضرات التجميل في المنطقة إلى ما قد يسوق الظن عند البعض بأن نساءنا قبيحات «والعياذ بالله» بحيث يعتمدن عليها إلى هذا الحد! هنا يدق ناقوس الخطر لنستشعر أن هناك خللاً ما، فعندما تفوق العناية بالمظهر على العناية بالذات «الجوهر» لتكون المرأة مجرد «تمثال» بلا روح ولا فكر ولا جاذبية نتيقن حجم المشكلة التي يشير إليها حجم الكميات المستهلكة! إن توافر السيوله النقدية في أيدي النساء لا يعني إنفاقها على علب المكياج والعطورات الثمينة والكريمات السحرية، فالبحث عن الجوهر هو الأصل وصقل الجوهرة الثمينة المكنونة بداخلنا هو ما يجعلنا نملأ محيطنا إشعاعاً وجمالاً، فتجميل العقل وتنقية الفكر وصقل الذهن وتنظيف القلب وتعطير الروح وبالنهاية إدراك الذات سيؤدي حتماً إلى إشعاعات جمالية خارجية ستظهر على الوجه وعلى الجسم لتزداد الجاذبية والقبول عند الآخرين، ذلك الإشعاع هو العطر الذي تملأ المرأة به محيطها فرحاً وحيويةً وجمالاً وليست تلك المساحيق المؤقتة التي تزول بمجرد تمرير الماء أو مزيل المكياج عليها لتخسر المرأة في كل إزالة أو شطفة ماء «مبلغاً وقدره».
الحديث يحلو هنا عن استثمار الوقت في قراءة كتاب مثلاً عن تطوير الذات أو في رواية هادفة أو محاضرة وندوة مفيدتين بدلاً من هدره على الإنستجرام أو السناب تشات وغيرها من مواقع التواصل التي تبيع الغباء والتسطيح لنا، وبدلاً أيضاً من الذهاب إلى السوق وخسارة غالبية «الراتب» في تلك «الأقنعة»التي تكلّف المرأة الكثير وتجعلها تدور في دوامة لا تنتهي من المتطلبات التجميلية المتزايدة لتصبح «هوساً «، ومن أجل ماذا؟ بعض النساء يدعين أن اهتمامهن بمظهرهن الجمالي الخارجي هو من أجلهن، فيشعرن بالإشباع النفسي والتقدير الذاتي! البعض الآخر يعترفن بأنهن ينفقن أموالهن وأوقاتهن في التجمّل بتلك المساحيق من أجل الرجل، وهذا ذكّرني برواية شهيرة أنصح بقراءتها لباولو كويلو بعنوان إحدى عشرة دقيقة، هذا الاهتمام المبالغ فيه بهدف ألا ينظر الرجل إلى سواها حتى تبدو جميلة في نظره هو مؤشر لمدركات سلبية خاطئة، إنها لا تدرك بأن الرجل السوي المتزن لا يهتم في ظاهرها فقط بقدر اهتمامه في جوهرها وفي نوعية شريكة حياته وأم أطفاله التي تتوافر فيها الجاذبية واللباقة في الحديث والحكمة والقدرة على التصرف واتخاذ القرارات العقلانية في إدارة شؤونها وشؤون أسرتها وفي فهم وإدراك محيطها وفي قدرتها أولاً وأخيراً على قيادة نفسها، هي لن تجد رفوفاً في المتاجر لتشتري تلك الصفات منها بقدر ما تحتاج إلى مجهود ذاتي واستثمار في الوقت للنهل من أمهات الكتب من أجلها من أجل تلميع وتنظيف تلك الجوهرة الداخلية الثمينة التي نملكها كلنا معشر النساء لتشع وتنير دربها ودرب من حولها بأجمل الألوان وأطيب العطور التي لا تشبه لا ألوان المساحيق ولا رائحة عطور الماركات العالمية الزائلة.
إعادة النظر في كيفية إدراكنا لذواتنا نحن معشر النساء، وهل نحن مناظر فقط ولسنا مخابر كما يقول المثل الدارج عن الرجال»الرجال مخابر وليسوا مناظر»، ضرورة حتمية لنعترّف وندرك بأننا أيضاً مخابر ولسنا مناظر فقط.