د.علي القرني
خطة التحول الوطني التي إعلنت عنها الدولة مؤخرا تعكس لا شك رغبة في التغيير نحو الأفضل، وهي محاولة لبث الحياة في عدد من مؤسسات الدولة وتنشيط الإبداع الإداري والترشيد المالي وفق آليات تخطيط وتنفيذ ومتابعة ومراقبة.
وكان توقيت هذه الخطة مناسبا في ظل الظروف التي تعصف بالنفط من ناحية وبالمنطقة من ناحية أخرى، ولهذا استوجب على الدولة ممثلة بجهازها التنفيذي (مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية) الذي يرأسه الأمير محمد بن سلمان أن تبحث عن مخارج ومسارات جديدة، وستتكشف الكثير من خطوط هذه الخطة في الأسابيع القادمة بعد إعلان ملامحها عبر الميزانية العامة للدولة..
وكتب وتحدث الكثير عن خطة التحول الوطني، فالبعض فهمها والبعض لم يفهمها، ولكن الكثير رحب بها واستشرف منها آفاقا جديدة في إعادة هيكلة الدولة وفق الرؤية التي سبق أن وضعها الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله في بداية حكمه الجديد، وكنا في حينها نقرأ أن الملك سلمان سيخطو بالمملكة الى آفاق جديدة من التطوير عبر هيكلة البرامج والسياسات.
وفي إطار مفهوم هذا التحول الوطني لا بد أن نشير إلى الإعلام السعودي، فهو بحاجة إلى خطة تحول مثله مثل باقي الأجهزة التنفيذية في الدولة، بل إن الإعلام يحتاج أكثر من غيره إلى سرعة المبادرة في بث خطة تحول حقيقية في أجهزته وأنظمته ومساراته، حتى يصبح الإعلام في مستوى باقي الأجهزة المتجددة في الدولة. وساءني - مثل غيري من المشاهدين - أن نشرة أخبار يتم بترها دون مقدمات أو تمهيد والتحول إلى برنامج حواري في ارتباك كبير في إحدى القنوات السعودية في إطار مواكبة ميزانية الدولة التي أعلنت الإثنين الماضي. وهذا مجرد استشهاد بسيط في خضم ارتباكات عديدة لدى أجهزة الإعلام لدينا.
وعندما تم التحول إلى هيئتي الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء كان البعض يرى أن ذلك هو المخرج الذي يحتاجه الإعلام لدينا، ولكن للأسف لم يتغير شيء في المجمل فالخبر الصحافي لم يزل كما هو قبل التحول، كما أن هيئة الإذاعة والتلفزيون استمرت في ارتباك وهيكلة غير مناسبة ولم تتغير فلسفة الإعلام أو سياساته أو مهنيته. ولهذا فكأن اليوم هو الأمس بفارق تجديد الأشخاص وتغيير الواجهات.
وأرى وفي إطار توجه الدولة للخصخصة أن يتم تخصيص الإعلام ويتحول إلى شركات وتدار هذه الشركات بعقول مهنية بالدرجة الأولى، وليس عقول تربت وتشبعت على تقاليد قديمة لمفاهيم الإعلام الرسمي. فالمملكة في العهد الحالي وفي ظل مستجدات الإعلام الجديد وظروف الدولة والمجتمع تحتاج إلى إعادة بث جديد وبروحية عالية وتطور مهني كبير في وسائل الإعلام السعودي.
من ينظر إلى القنوات الخليجية والعربية سيلاحظ أنها في أغلبها تتقدم وتتطور وتتخذ مسارات مهنية، على عكس قنواتنا الرسمية فهي تشهد الكثير من الارتباك والتشويش وانعدام المهنية أو ضعف المهنية، ولهذا وللأسف يتخطى المشاهد السعودي قنواتنا ويبحث عن قنوات بديلة هنا وهناك، يبحث عن أي شيء وسيجد بديله جاهزا سواء في نشرات الأخبار أو البرامج الحوارية أو البرامج الترفيهية أو البرامج التخصصية، مع نسبة رضا متدنية حتى من قبل العاملين في هذه الأجهزة.
ولهذا فإني استبشر خيرا بخطة التحول الوطني التي أعلنت عنها الدولة فلعل الإعلام احد المسارات التي ستجرفها هذه الخطة وترتب لنا مسارات إعلام وطني حقيقي يستعيد البهجة والإمتاع والرضا عن قنواتنا، ويستعيد لنا المشاهد والمستمع السعودي من إحضان قنوات خارجية. ولا بد أن تكون «الخصخصة» هي العنوان الرئيس الذي ننطلق منه، وبعده كل شي يأتي وفق معطيات مهنية وإمكانيات فنية وعقول استراتيجية.
وفي مثل هذا التحول الوطني في الإعلام يجب أن تظهر لنا رؤية جديدة للإعلام منبعها خدمة الوطن والمجتمع بطريقة نوعية تخاطب العقول بالدرجة الأولى، وتنتهج أساليب عصرية في الإعلام وليس أساليب تقليدية مضت عليها عقود من الزمان. ويكفي أن تكون رؤية إعلامنا هي رؤية الملك سلمان للإعلام عندما أعلنها أمام جميع الإعلاميين «رحم الله من أهداني عيوبي»، أما سياسة «ملكيون أكثر من الملك» فلم تعد مناسبة في هذا العصر وفي ظل الفكر الواعي الذي يزرعه الملك سلمان في كل أنحاء الدولة والمجتمع وهي تضر بسياسات الدولة قبل أي شي آخر، كما تفقدنا الكثير «منا» وترحلنا الى «غيرنا».. والأمل بعد الله في وزير الإعلام الجديد الشاب د. عادل الطريفي في إحداث هذا التغيير.