د.خالد بن صالح المنيف
أطل شاب صغير برأسه على سور جسر لأسفل نهر جارٍ مراقبًا لمجراه ومتأملاً له، فشاهد الأوراق والأخشاب والمخلفات قد علت على صفحة النهر، وما هي إلا دقائق معدودة إلا وقد زالت كل الأشياء لغير رجعة، وعاد النهر صافيًا نقيًا يجري بجمال وروعة، يسرع تارة ويتمهل تارة أخرى، وبين هذه التحولات الخلاقة أدرك هذا الشاب النابه الحصيف حقيقة عميقة!
تلك الحقيقة ليست مجرد ظاهرة فيزيائية! وليست خاصة لحال النهر، بل هي حقيقة معنوية من حقائق الحياة!
فما هي يا ترى تلك الحقيقة؟
تلك الحقيقة هي: إنه لا شيء يبقى؛ فكل شيء مما ينغص علينا في الحياة من أزمات ومشكلات ومواقف مزعجة سوف يمر كما مرت بقايا الأوراق والأخشاب والمخلفات، فهي ليست قابلة للبقاء والاستدامة، بل سيأتي بإذن الله ما يبعدها ويزيلها، وسوف تمر تلك المنغصات، وتأتي بعدها راحة البال وسكينة الروح وسوف تعود لنا القوة كما حدث مع النهر تمامًا!
وبعد هذا الموقف أصبح لهذا الشاب رؤية زانت بها الحياة، قانون أراحه كثيرًا، وسلاح استقوى به على تحمل ضنك الليالي وكرب الأيام وعاديات الزمن، بل وأضحت قوة تصبّره على وعورة الطريق!
يقول روبين شارما: إن ما يميز أصحاب الشخصيات الفذة عن بقية الناس هي الطريقة التي يستجيبون بها عندما تفاجئهم الحياة بموقف عصيب من مواقفها الحتمية!
فلا يسؤوك أن أهدتك الحياة شيئًا من منغصاتها، وإن وضعت في طريقك شيئًا من كدرها، ولا تضق بها؛ فمن اصطفوا في هذه الحياة للسعادة والتفوق تحملوا المنغصات وتحملوا الكدر!
* فإذا ما داهمتك مشكلة فقل: مياه تحت الجسر!
* وإذا اشتدت عليك الأحوال فقل: مياه تحت الجسر
* وإذا ابتليت بشخص حاقد فقل: مياه تحت الجسر!
* وإذا أخفقت في مادة فقل: مياه تحت الجسر!
* وإن توعكت فقل: مياه تحت الجسر!
* وحتى في حالات الفشل فقل: مياه تحت الجسر!
* وإن سلكت ذات يومًا مسلكًا لا يليق فقل: مياه تحت الجسر!
* ولو تصرفت بتصرف غير لائق فقل: مياه تحت الجسر!
مرّ على الحبيب اللهم صلي وسلم عليه أيامًا سود، وليال كئيبة، ومواقف تنوء الجبال بحملها، ومن أعظمها ما كابده من أهل الطائف من أذى وسلوك مشين ضاق معه صدر حبيبنا اللهم صلي وسلم ودمعت عيناه واختنقت عبرته، بل كان هذا الموقف من أشد ما مرّ عليه في حياته، فهلا تراه طال عهد هذا الضيق واستدام زمنه! أبدًا بل كانت فترة وزالت! وغربت بعدها شمس الحزن الموجعة!
أدعوك لأن تسترجع ماضيك قريبه وبعيده مستحضرًا هاتيك المواقف وتلك المشاهد المؤلمة فهل بقي منها شيء؟!
لا شيء أقتل للروح، ولا أضيع للحياة من الاعتقاد بأن الوضع السيئ دائم، وأن الموقف الموجع باقٍ إلى ما لا نهاية! وحتى نسري الهم ونريح النفس نحتاج لإيمان راسخ بأن أغلب مشكلاتنا ليست بذاك المستوى من الصعوبة والتعقيد والسوء التي تظهر به للوهلة الأولى! فلا ترتعد ولا تبتئس ولا تعمل على تأجيجها؛ بل أفحصها بمجهر العقل الهادئ الريق الرزين واستعد ماضيك ومشاهده الكثيرة التي زارتك فيه الهموم ثم غادرت بسلام!
فليأمن سربك وليسكن قلبك وليهدأ جأشك؛ فتعبك لانكشاف، وألمك لعافية، وغائبك لعودة، ودينك لسداد، وخلافك لحل، وغمتك لرحيل، وهمك لزوال، فأسود الغيم سينقشع، وريح البلاء ستركد، وكوامن الشحناء ستنزع، وموجع البرد سيتبعه دفء، وشديد القيظ ستذهبه نسمات البرد الرقيقة، وعما قريب ستأزف شخوص الحسرة وسيدنو أفول الهمِّ، وتأكَّد أن الله لن يضع في طريقك عقبة لا تستطيع تجاوزها، ولا حاجزًا لا تستطيع قفزه، ولن تسقط في حفرة تعجز عن الخروج منها فحدوث الفشل يكون باليأس والتوقف عن المحاولة، ولا تنبع الهزيمة إلا من داخلنا، فالعائق الوحيد الذي لا يمكن التغلب عليه، ويمكن أن يحول دون الوصول إلى أهدافنا هو توهم «ضعفنا الداخلي». وتوهم دوام الأمور السيئة! فعندما ينهمر المطر من السماء فأفضل شيء تفعله تدعها تمطر وتسعى للبحث عن مظلة! ولو عاندتك الظروف وبنيت أمامك الحواجز، فلا تدع رأسك ينحني، ولا تنزوِ بل انهض وفتش عن وسيلة جديدة وطرق أخرى، وتأمل في نصيحة نابليون هيل عندما قال: ثق أن نجاحك العظيم يكن خلف الموقع الذي تجزم عنده أنك لن تصل!
أيها الجميل: في كل صباح افتح روحك لجميل الأشياء، وعينيك لمشرق الألوان، وأذنيك لعذب النغمات، وعقلك لجميل الأفكار، ورئتيك لنقي الهواء، تحرك فيه مستعينًا بالله لاشاك ولا ساخط على الأمس ولا قلق من الغد راضيًا بما قسم الله لك وصابرًا لما حكم به وقانعًا بما وهبه لك وأبشر بعدها بأسعد طالع وأيمن طائر.
ومضة قلم
تذكر أن انقلابة إيجابية في حياتك لن تحدث طالما ما زلت متمسكًا بأشيائك القديمة