د. عبدالعزيز الجار الله
ستشهد بلادنا تغيرات اقتصادية واجتماعية متوقعة مع تطبيق برنامج التحول الوطني، وحسب الطروحات أنه تحول إيجابي، سينقل بلدنا من أوضاع اقتصادية معيشية ومهنية نمطية إلى تحديث وتطوير في أساليب المعيشة والاقتصاد.
لكن بلادنا لديها مشكلة قديمة وقائمة في أنماط التوطين أدت إلى الهدر المالي وكلفة في الخدمات العامة، أرهقت الخزانة لتنفيذ البنية التحتية، وأدت إلى بطء في تنفيذ المشروعات، هذه المشكلة هي:
أولاً: الاستمرار في أنماط الاستيطان القديم في توزيع المدن وانتشارها.
ثانياً: كثرة المراكز والقرى والهجر والمستوطنات النائية.
ثالثاً: قلة عدد المدن المليونية ونصف المليونية.
رابعاً: عدم إنشاء مدن جديدة نموذجية.
حافظت بلادنا على نفس النمط الاستيطاني القديم في نفس الموقع والمكان، فالمراكز الحضارية القديمة في الحضارات السابقة هي تقريباً نفسها مع فارق التطور بين مدن الأمس ومدن اليوم، وهذا ليس عيباً لكن المرتكزات الحضارية والاقتصادية والأمنية تغيرات، على سبيل المثال: أهمية التوطين في أعالي الجبال في الجيوب المنعزلة، أو الحرات ذات الصخور النارية والتركيب الجيولوجي المعقد، أو الاستيطان في انحناءات النفود خلف قوس الرمال، أو التوطين قرب خلجان البحار، أو في نهايات الأودية، أو في أسفل الحافات الجبلية. هذه الأهمية تراجعت حيث كانت من أهم المرتكزات القديمة، فالتوطين بهذه الصورة قد تغير والعوامل الجاذبة للتوطين في السابق قد تغيرت بتغير التوازنات الجديدة.
عامل المياه -مياه الشرب- تغير جذرياً وأصبحت مصادر المياه هي تقريبا مياه البحار وتحليتها، تضاءلت الحاجة إلى التوطين قرب شفير الوادي أو على ضفاف فحول الشعاب الكبيرة، أو حول السبخات والأحواض المائية المغلقة.
العمل الأمني تغير فكان التوطين يقترن بالأمن والاحتماء في الجبال التي كانت هي الحصن والحامي بعد الله، كانت الجبال تمثل وما زالت تشكل الدروع الحامية لكن فلسفة الأمن والحروب تغيرت بالتطور التقني للمعارك، لذا التوطين في القرى الجبلية العالية أصبحت كلفة اقتصادية تؤثر على خطط التنمية وتكلف خزينة الدولة إذ ترافق معها الانتشار العشوائي للقرى، أيضاً التوطين قرب قوس الرمال في أطراف النفود بقصد الحماية الأمنية، والانزواء -الاختباء- في تجاويف الرمل أصبحت لا تجدي بعد التفوق الجوي، وبذلك انتفت أهمية الرمل في التحصينات الحديثة.
إذن هناك متغيرات استيطانية لو تم معالجتها والتفكير بطريقة توطينية جديدة لأمكننا وقف الهدر التنموي والترشيد في الخدمات وخفض كلفة البنية التحتية.