إبراهيم عبدالله العمار
ما أهم أعضائك؟ قد تُعدّد أعضاءً مثل القلب والكبد والكلية، وربما آخر شيء يخطر في بالك أن تقول: الجلد. وهذا ظلم.. ظلمٌ كبير!
لا ننظر للجلد على أنه عضو بالمعنى التقليدي، ذلك أنه لا يملك صلابة الأعضاء المعروفة، إضافة لأنه واسع وموزع على كل الجسم، لكن هذا الغطاء الممطوط الذي يغطيك لديه مهمة جوهرية، بل إنه لا يقل أهمية لاستمرارك في الحياة عن القلب والرئتين. ينظر الكثير للجلد على أنه مجرد حاجز، خط يفصل بينك وبين العالم الخارجي، مجرد طريقة مريحة تحفظ أحشاءك وأنسجتك من أن تتخضخض بشكلٍ مزعج المنظر.
نعم، صحيح أن الجلد يحمي، لكن أن نسميه مجرد حاجز لهو استهانة عظيمة بهذا العضو، فلديه من الوظائف أكثر من هذا، من أهمها: (1) هو أول خط دفاع ضد جيوش البكتيريا المحشودة على سطحه. (2) يمنع التبخر الزائد لأهم مادة في الجسم.. الماء. (3) يحوي منظومة شديدة الانتباه من الحسّاسات التي تحذرنا من الخطر وتسمح لنا أن نتفاداه أو نقلل ضرره. (4) الجلد منظم حراري: إنه يدفئنا وقت البرد ويبردنا في الحر.
الجلد عضو معقد، وأعلاه هو البَشَرَة. إن خلايا البشرة (السطح الخارجي للجلد) تتولد باستمرار وتذهب للسطح لتؤدي مهامها، وتستطيع أن تتخيل مصنعاً فيه سير متحرك ينتج عدداً لانهائياً من الجنود والذي يقذفهم هذا السير إلى ساحة المعركة، وخلايا البشرة في حربٍ مستمرة ضد أعدائك، فهي أولاً تصنع بيئة جافة وحمضية تمنع نمو البكتيريا، وثانياً البشرة تحوي خلايا مناعية تبحث دوماً عن خلايا بكتيرية ثم تدمرها. ثالثاً: تفرز خلايا البشرة انزيمات ومواد دهنية تقاوم هؤلاء المستعمرين. إن خلايا بشرتك تخوض معركة شرسة كل دقيقة وكل ثانية وأنت لا تشعر. وبسبب عنف الحياة التي تعيشها خلية البشرة فإن عمرها قصير، فمنذ ولادة الخلية ثم اتجاهها لساحة المعركة ونهاية عمرها تأخذ 6 أسابيع، ولهذا يجب أن تتجدد الخلايا بشكل يماثل موتها، وهذا ما يحدث، فيتجدد غلاف البشرة تماماً كل 48 يوما.
أسفل البشرة تأتي الأدمة، وهنا نرى أشياءً أكبر، فهنا شبكات الأوعية الدموية والغدد، ويأخذ الجلد مطّاطيّته من الأدمة. الأدمة والبشرة يتحدان كحاجز أمني يمنع السوائل من الدخول لكن يسمح لجزيئات الماء أن تخرج متبخرة.
لكن لعل أعجب خصائص الجلد هو نظام الاستشعار. يستطيع الجلد استشعار نقاط الاحتكاك بدقة تصل إلى مليمترات، وهو لا يستشعر الحرارة والبرودة فحسب بل يفرق بين لمسة حانية وطرف إبرة. جلدك مطور لأن يرسل لك إشارات متغيرة باستمرار عن العالم الخارجي القاسي، وهذه الإشارات تؤثر على تصرفاتك بطريقة لا تدرك أنها تحصل. فكر في إجازاتك مثلاً، عندما تختار مكاناً بارداً أو دافئاً، تخيل أنك تقفز في مسبح وتشعر بالماء على جلدك. إشارات أعصاب الجلد هي التي تجعلك تختار هذا المكان. فكر في ملابسك التي عليك الآن، فجزء من سبب اختيارك لها هو شعورها على جلدك. إشارات أعصاب الجلد هي التي تحثك أن تبتعد عن تيار هواء بارد أو تخبرك أنك اقتربت من نار.
جيش، أسلحة، نظام إنذار، حاجز، حساسات، سياج أمني.. إن جلدك من أعظم أعضائك، فلا تظلمه بعد اليوم!