سعد بن عبدالقادر القويعي
تدير إيران ثرواتها عبر استثمار الخمس، وإعادة جدولة المستقطع من اقتصادات الشيعة في العالم، وفي مناطق مختلفة، في ظل دورة رأسمالية متكاملة؛ لتخدم بالمحصلة النهائية مصالحها؛ ولأن ثمة تكاملية بين تلك الأطروحات، وبين السلوك السياسي الإيراني، باعتبار أن كليهما يخدم بعضهما، فإن عمق الأيديولوجيا الفارسية الحاكمة للقرار السياسي الإيراني، تثبت أن موضوع الخمس كان أكبر خدعة في التاريخ الشيعي، فهي تثبت -من جهة- خبث القادة، والرموز، -ومن جهة أخرى- تثبت حماقة الأتباع. -وفي تقديري- أنه لولا الخمس لاندثر المذهب الرافضي -منذ زمن بعيد-، فقد كان المال المتدفق من هذه الفريضة هائلاً، لدرجة أن حولت المرجعيات الدينية الشيعية إلى أباطرة يحكمون كقادة الدول، ويتحكمون في العباد، وأحوالهم.
يعد الخمس أمراً مهماً، وركناً أساساً بين ولاية الفقيه، والمراجع الشيعية، والوكلاء في العالم. ومع هذا فإن من أكبر الأدلة على فساد أموال الخمس، هو عدم وجود أي أثر لها على الواقع الاجتماعي للمناطق الشيعية في الخليج، بل كثر الحديث عن الفساد المالي الكبير من جراء هذا الخمس، وبدأت الأصوات -في الفترة الأخيرة- تئن، -خصوصاً- في منطقة الخليج من هذه الضريبة الجبرية، التي لا تعود بأي نفع على فقراء الشيعة.
ويؤكد الخبراء، والباحثون -في هذا الشأن- إلى أن سياسة الخمس، تسمح من تحويل المرجعيات الدينية إلى ما يشبه شركات الجباية المنظمة، حيث يفتتح المرجع له في عدد كبير من الدول مكاتب، ويتخذ وكلاء يقومون بتقديم الفتاوى للمقلدين بصفة ثانوية، وبجمع أموال الخمس منهم بصفة رئيسة. ويحدث بين هذه المكاتب، والوكلاء تنافس محموم على جذب الأتباع، الذين يقدمون خمس أموالهم إلى المرجع الديني، وهم يتمنون الرضا، وقد أصبحت منزلة المجتهد محل منافسة شديدة، وتتكالب عليها أعداد كبيرة من علماء الشيعة.
وهنا يشير -الكاتب- علي البلوي إلى جهد المرجعية الشيعية في «قم»؛ لإلغاء الدور الرئيس للمرجعية الشيعية في «النجف»، وجعلها تابعة لها، وأن ثمة صراعين على المرجعيات خارج إيران: صراع داخلي أيهما يحظى برضا إيران، وصراع خارجي ترى فيه إيران أنها مركز الولاية، فالصراع على المرجعيات كان هدفاً إيرانياً، يلتقي مع المخطط الفكري الاستراتيجي لولاية الفقيه، التي تعني الولاية السياسية، والاقتصادية، والدينية على مراجع الشيعة في العالم، وذلك لتحقيق هدفين مهمين: الأول داخلي، يتمثل في جلب خمس الشيعة في العالم إلى إيران، وتقدره المصادر الباحثة في الاقتصاد الإيراني، بأنه يتجاوز سنوياً «12» مليار دولار، -فضلاً- عن أن إيران تعمل على استثمار أراضي هذه الدول، والمجتمعات حال السيطرة عليها، وتستخدم أسواقها، وتحتكرها، فمثلاً: تحصل إيران على»20 %» من عائدات النفط العراقي، أي: الخمس تحت ذرائع مختلفة، وتقوم باستثمار نفط الجنوب، وتصديره لحساباتها لضمان ولاءات الشيعة، والحكومة العراقية، وتحتكر قطاعات اقتصادية في العراق، -وكذلك- التنقيب عن النفط في دول إفريقية، ومثلما تسيطر وبالتعاون مع حزب الله على تجارة الألماس في إفريقيا، وتجارة الحشيش مع أفغانستان.
وقد كشفت تقارير دولية نشرتها cnn عن ارتفاع حجم الفساد في إيران، -خصوصاً- في وسط الملالي، حيث كشفت أرصدة «66» شخصية من كبار المسؤولين، ورجال الدين، وقالت: إن هؤلاء المسؤولين يمتلكون في المصارف العربية، والعالمية أرصدة يبلغ مجموع إيداعاتها نحو «16» مليار دولار. والهدف الخارجي هو سيطرتها على رجال الشيعة في العالم، ودعمها لبعض التيارات الدينية، والسياسية في هذه الدول؛ لإنشاء شركات خاصة، واستثمارية، وبنوك، ومؤسسات إعلامية، يستثمر فيها الخمس لصالح إيران، فيما يفتتح الحرس الثوري الإيراني مكاتب استخباراتية له في هذه الشركات، واتخاذها واجهة لأعماله، وهذا يطرح أسئلة كبيرة حول موضوع الخمس، وسبل استخداماته، ولماذا يغادر الخمس وطنه ذاهباً إلى إيران؟
ويستطرد الكاتب في بحثه، إلى أن الخمس يذهب إلى الحرس الثوري الإيراني، الذي يعيد إنتاجه على شكل شركات بأسماء شخصيات، ومنظمات تابعة له في دول العالم، شركات مالية، ومصرفية، وإعلامية، وتجارية، ويشترط أن يعمل فيها عدد من أعضاء الحرس الثوري «الاستخبارات الخارجية»، ويشرف هؤلاء على الاستثمار الجديد لواجهات شيعية مرتبطة بالاستخبارات الإيرانية، كما هو معمول به في العراق، والكويت، وبعض الدول الإفريقية، ولبنان، وسوريا. وتحتكر هذه الشركات قطاعات معينة في التجارة مع إيران، وتقوم بعمليات التهريب، ونقل التقنية إلى إيران، والتهرب من القرارات الدولية الخاصة بالعقوبات، وتسيطر هذه الشركات على العديد من المطارات الإفريقية، وتتحكم فيها، وتتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، -خصوصاً- جوانبها الأمنية، والثقافية، والدينية، وتعمل على استقطاب النخب فيها للعمل لصالح إيران، -إضافة- إلى تغيير ولاءاتها الدينية.
بقي أن يقال: إن الخمس شكّل مغنماً كبيراً لدى المرجعيات الدينية في الخارج، ما دفعهم إلى استغلالها في دعم جهات مجهولة، أو استخدامها في أعمال مشبوهة، وهو ما أكده -عمدة تاروت- عبدالحكيم آل كيدار -قبل أيام-، عندما رفع الغطاء عما يدور خلف الكواليس من تعاملات خفيّة، تتضمّن استغلال الأموال في دعم مرجعيات دينية في دول أخرى، تشهد اضطرابات أمنية. وأوضح لصحيفة «الوطن»، أن هناك مجموعة من المراجع الدينية، تدفع بتدفقات مالية إلى مرجعيات أخرى في كل من إيران، والعراق، وسوريا، رغم أحقية الفقراء، والمساكين بها. وذكر أنه بعد أن يتم إرسال الأموال إلى أحد المرجعيات، يتم توزيعها عن طريق مواطنين مخصصين لنقل الأموال. ولفت إلى أنه من المفترض، أن تلك الأموال التي تسمى «الأخماس» تذهب إلى داخل الوطن، مبدياً معارضته لتصرفات بعض التجار، الذين يرسلون تلك الأموال إلى هؤلاء المرجعيات في الخارج. ويبقى سؤالي بعد ذلك: بأن تجعل حكومات الدول العربية الخمس تحت مراقبة أجهزتها الأمنية؛ لتتبين آلية جمع تلك المبالغ، وإلى أين تذهب.