عبدالحفيظ الشمري
أهم ما يميز الحياة الاجتماعية، ويعزز نموها وتطورها هو نجاح مشروعها الصحي، واكتمال المرافق الطبية، وتسخير القدرات الفنية لتحدد أولويات البناء لصحة المجتمع واحتياجاته العلاجية من تشخيص، ودواء، وتأهيل، ومتابعة، فالمعول دائما على الشأن الصحي أن يكون متكاملاً، فلا يقبل أنصاف الحلول، أو الاجتهادات، أو تركها للتساهيل والفرص الواعدة.
فمن أولويات الخطط المعنية بنجاح المشروع الصحي في المجتمع هو التشخيص الواقعي للمجال الاجتماعي والإنساني ومعرفة احتياجاته، ومتطلباته، وفرزها حسب الأهمية والضرورة، مع مراعاة احتياجات المناطق النائية والتي تبعد عن مراكز الاستقطاب الحضري والتجمعات السكانية، أي أن خطط وبرامج الصحة يجدر بها أن تنطلق من الأطراف، لأنها في الغالب ذات الاحتياج الأكبر، ومن أبرز ما يمكن أن يحقق هذا التكامل الصحي هو قيام منظومة التأمين الصحي الذي طبق جزء منه؛ فيما يتعلق بالقطاع الخاص، وترك الجزء الأهم وهو المتعلق بالقطاع العام!
ومن أهم دواعي «التكامل الصحي» ونجاح مشروعه في حياة المجتمع هو التشخيص الدقيق ومعرفة أوجه القصور، أي أن ما يلاحظ على بعض مشاريع الصحة والمنشآت الطبية أنها تعتمد على إظهار المنجز أمام الناس بطريقة استعراضية، في وقت تتطلب مرحلة البناء الصحي المتكامل أن يكون هناك نقد لأوجه القصور، ولا مانع من ذكر ما تحقق من إيجابيات، لكن دون مبالغة أو إسهاب.
ومن أبرز مهام هذا المشروع هو إنجاح العمل الإداري في المجال الطبي وعلى وجه الخصوص «المراكز الصحية الأولية» لتكون مجالاً خصباً للتنظيم والتخطيط السليم، وتوزيع الجهود، وبقاء هذه المراكز مفتوحة أطول مدة ممكنة للعمل، لأن المجتمع بات بحاجة ملحة إلى متابعات طبية مهمة وضرورية لا سيما مع ارتفاع نسبة الأمراض العصرية كحالات السكر، وضغط الدم التي تحتاج إلى متابعة مستمرة.
أضف إلى ذلك أن هناك معوقات تعترض سبيل العمل في «المراكز الصحية الأولية» التي تعد هي البوابة الأولى للعمل الصحي، فحينما تصبح هذه المراكز معرضة للتوقف بسبب ندرة الأطباء، والفنيين، وغياب التنظيم والإدارة، واعتماد أدنى معايير العمل الطبي، وتجاهل أولويات الرعاية الصحية لا سيما في الأماكن التي لا يوجد فيها مستشفيات كبيرة على نحو القرى والهجر وبعض الريف المأهول؛ حيث تحتاج إلى مزيد من الجهد والعطاء لكي تتكامل هذه الرؤى ويصبح المشروع الصحي حق للجميع دون تمييز.
أمر آخر قد يعيق مشروع التكامل الطبي في بلادنا وهو التوزيع غير العادل للخطط والمشاريع الصحية، أي أن هناك بعض المناطق أخذت حقها كاملاً من الإمكانات والمنشآت والتجهيزات الطبية والأدوية، بل أنه افتتح مصانع دوائية في بعض المناطق، في وقت قد تجد أن مناطق أخرى قريبة منها تشهد غياباً للكثير من الإمكانات الطبية، والبرامج الصحية، والأسباب قد تعود إلى أن هناك شيء من داء البيروقراطية و»المناطقية» التي تفتك بقطاعات خدمية كثيرة ومنها الصحة، لتجعل من هذه المدن فئات وأولويات، وهذا في اليقين هو أهم التحديات التي تواجه المشروع الصحي التكاملي الذي يعد مشروعاً وطنياً مهماً في حياة المجتمع.