عروبة المنيف
مضى ما يزيد على الخمسة وثلاثين عاماً من الصبر على السياسات الإيرانية وتدخلاتها السافرة في دول الجوار العربي وفي إثارة القلاقل والأزمات السياسية الهادفة إلى الهيمنة والسيطرة على دول المنطقة ومقدراتها،
... مرتدية في ذلك اللباس الطائفي وممارسة للشحن الطائفي التحريضي الذي يسوق للكراهية والحقد وللشحن العتادي من أسلحة وذخيرة وأموال تضخ من خزينة إيران لتمويل الإرهاب وتدمير المنطقة العربية، وقد تم لها ما أرادت من خلال ذلك الشحن فتهشمت العراق وتدمرت سوريا وأُصيب لبنان بالشلل وأحرقت اليمن و»الحبل على الجرار» كما يقول المثل.. ولكن على الرغم من كل ذلك تقف المملكة حجر عثرة أمام طموحات إيران التوسعية وهي صابرة ولكن للصبر حدوداً كما تقول سيدة الغناء العربي»أم كلثوم».
لقد صبرت المملكة على القلاقل المتكررة التي كانت تثار في مواسم الحج على أيدي عملاء ساسة إيران وعلى تورط إيران أيضاً بالهجمات الإرهابية التي حصلت في عقر دارنا وعلى الهجمات الإعلامية السافرة والتدخل في قضايانا الداخلية، كل ذلك والمحاولات الجادة من قِبل المملكة مستمرة بهدف تحاشي قطع العلاقات مع دولة جارة ومسلمة فكانت الأنفاس السعودية طويلة للحفاظ على «شعرة معاوية» بين «جذب ورخي».
لقد جاءت حادثة الاعتداء على البعثة الدبلوماسية السعودية الممثّلة بالسفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد وتعريض أرواح الرعايا السعوديين للخطر والحرق بمثابة الشعرة التي «قصمت ظهر البعير»، وكان لا بد من التحرك والحزم في «عصر الحزم» وقطع تلك الشعرة بقطع جميع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، فالمملكة كانت دائماً تضع أصول الجيرة والأخوة الإسلامية في الاعتبار، ولكن مع الخيانات المتكررة من الساسة الإيرانيين كان لا بد من الحزم واتخاذ القرار بالمقاطعة، فاحترام الدولة يكون باحترام رعاياها وتقدير بعثاتها الدبلوماسية وسفرائها لا بالتعدي الفاضح لكل الأعراف والمواثيق الدولية، فلكل فعل رد فعل، ولكن الرد لن يكون على الاعتداء على السفارة فقط، بل رد الفعل هو خطوة حازمة من أجل إيقاف ذلك المعتدي عند حده وفرض عقوبات عليه ليدرك حرمة التعدي على الآخرين، فالسعودية ليست بالعراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن. إن أكبر المتضررين من هذه القطيعة هي إيران، لقد قطعت ثلاث دول علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في يوم واحد «الرياض والمنامة والخرطوم»، وذلك بعد قرار الرياض قطع العلاقات، وقد سبقتهم القاهرة منذ سبعة وعشرين عاماً، وهذا سيؤثر حتماً على صادراتها وعلى حجم التبادل التجاري لديها، وبالتالي ستدخل في دوامة العقوبات والحصار الاقتصادي مرة أخرى، فبعد ستة أشهر من خروجها من العزلة الدولية والحصار الاقتصادي الدولي والذي استمر عشر سنوات نتيجة برنامجها النووي غير السلمي، ها هي تدخل في عزلة عربية ومقاطعة اقتصادية جديدة مع دول الجوار، وستكون هي الخاسر الأكبر في ذلك.
إن الشعب الإيراني الذي عانى على مدى عقود من أفعال ساسته وتصرفاتهم جدير بأن يعيش بسلام مع المجتمع الدولي، لا أن يستمر في دوامة العقوبات والعزلة الدولية إلى ما قدّر الله له أن يكون.