إبراهيم عبدالله العمار
يا له من عالم رائع! ما أحسنه من وجود! لا يوجد أي أشرار في هذه الدنيا! عبارة أنا متأكد منها تماماً. نعم، يوجد شر، لكن الأشرار معدومون. كيف هذا؟
إن التفسير بسيط! ما عليك إلا أن تنظر لكلام وتبريرات أهل الشر. القاتل يقتل شخصاً بعد خلاف ومشاجرة ويرى أنه محق، فقد اعتدى الآخر على كرامته ويستحق الموت. السارق يسرق ويلوم المجتمع الذي يتجاهله، ويرى أن فقره مبرر للسرقة. إنه ليس «كالسارقين الآخرين»، هو لديه مبرر. الضمير مرتاح. من يحمل السلاح ويقتل الأبرياء لا يفعل شراً، إنه جندي تأتيه أوامر، لو كان هناك لوم فهو يجب أن يكون من نصيب رؤسائه، أما هو فمجرد عبد مأمور، أي باختصار.. برئ! من يسئ لغيره في القيادة سيجد ألف مبرر لوقاحته وسوء قيادته، فربما هو مستعجل ويرى أنه يقدِر أن يسئ للغير بتهوره، أو هو مشتت البال ويرى أن هذا لا يستدعي أن ينظر للمرآة مما يجعله ينعطف على غيره ويكاد يضربه بالسيارة، وهكذا، وكل تصرف سيء له ما يبرره. المفحط مسكين، لا ترفيه لديه ويشعر أن بلده ومجتمعه يضيق عليه، لذلك تفحيطه مبرر. الذي يتعامل بوقاحة مع غيره يبرر أنه غاضب أو مزاجه سئ، إذاً لا لوم عليه. بل ربما يرى أنه هو الضحية! يا له من مسكين، يومه ومزاجه سيئ، وهذا الشخص (الذي أتاه الشتم والوقاحة) «نرفزه» أكثر، يا له من مظلوم هذا السئ الخلق!
لما حارب أبو جهل الإسلام فعلها حسداً، وربما رأى أنه يفعل شيئاً طيباً لقومه: إنه يحارب الله ورسوله لأنه يكافح من أجل مآثر وسمعة بني مخزوم! فرعون يحارب الله ورسوله موسى وقد يرى أنه منافح عن عائلته الحاكمة وإرثها ومستقبلها. الذي يحاول تغريب أمته يرى أنه يفعل خيراً لأنه يدفعها نحو «التقدم» و»الحضارة» حتى لو حارب شرع الله. المشركون نافحوا عن أصنامهم لأن لها تاريخاً قديماً وهو دين قومهم وشعبهم وأصلهم.. إنهم يفعلون شيئاً «نبيلاً» في ظنهم عندما يقاتلون الأنبياء ويرفضون دعوتهم.
وهكذا. هذه الحياة. كل شئ له مبرِّر. كل سوء خلق له سبب. كل جريمة لها داعٍ. ولن تجد شخصاً يرى أنه شرير .. بل مهما أساء وظلم وأفسد فله مبررات. «وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون».
ما أحسن هذا العالم الخالي من الأشرار!