غسان محمد علوان
يظل الجمهور الرياضي هو الرئة التي تتنفس بها كرة القدم، وهو ملحها وكمال جمالها. المدرجات الفسيحة الخالية تقتل كل ما هو جميل على الميدان، وبغيابها تغيب المتعة الحقيقية حد التلاشي. في ملاعبنا، نرى كل الحرص من جميع الجهات على تضييق الخناق على المشجع، في رسالة لا نستنبط منها سوى (لا للحضور).
فالمقاعد البلاستيكية في كل ملاعبنا تحمل أرقامًا خاصة بها، ومصطفة بترتيب مرقم، وبوابات الدخول أيضًا تحمل أرقامًا، وعلى الرغم من ذلك لا يتم ربط تذكرة الدخول بالمقعد برقم محدد. عدم ترقيم التذاكر وربطها بالمقاعد ليس مجرد عبث تنظيمي، بل يصل إلى حد التشكيك في مقصد المتمنع عن ذلك. فاستمرار ذلك هو مجال خصب للتلاعب بأعداد الحضور الجماهيري، ليس إحصائيًا فقط بل يصل للتلاعب في مداخيل اللقاء ماديًا. فمن السهل جدًا في هذه الحالة إعلان عدد الحضور منقوصًا ألفي تذكرة أو حتى ألف تذكرة لتستحوذ الشركة المسؤولة عن بيع التذاكر على مبالغ بعشرات الآلاف إن لم تكن بمئاتها. ففكرة بيع التذاكر وطباعتها الفورية ليست ضربًا من الخيال، فدور السينما التي تستقبل في كل ساعة مئات أو آلاف الحضور تقوم بتلك العملية بسهولة بالغة. فتخيل عزيزي لو تم تخصيص ثماني نقاط بيع حول الملعب، تمثل ثمانية أجزاء منه. ثم تم وضع شاشة للمشجع يظهر فيها الجزء الذي يريده من المدرج مقسمًا تقسيمًا أصغر ليختار فورًا رقم الصف والمقعد الذي يرغب به في ثوانٍ قليلة. هل هي معجزة؟ بالتأكيد لا، ولكن التنظيم الحقيقي ليس بأولوية لدى هؤلاء المسؤولين.
وإذا نظرنا باتجاه آخر، وبعد شراء تذكرة (اليانصيب) التي لا تدري أين ستقوم بإجلاسك في الملعب، تبدأ رحلة جديدة من التطفيش. ويتصدر قائمة (التطفيش) استاد الأمير فيصل بن فهد بالملز بكل جدارة. فتنسيق المواقف الخارجية للملعب اهتم بالشكل فقط بعيدًا عن الطاقة الاستيعابية للمواقف. وبذلك تآكلت أكثر من نصف المواقف المخصصة سابقًا للحضور وأصبح الحي مكتظًا بالسيارات في كل شوارعه مضيقًا على سكان المنطقة، وداعيًا لهم لإطلاق الشتائم على المباريات وعلى كرة القدم عند إقامة كل لقاء. ثم بعد ذلك تأتي مشكلة الدخول إلى المدرج وتعنت الأمن الذي لا يسعى لتقديم أي مساعدة أو تسهيلات للحضور الجماهيري متذرعًا بأشهر جملة سعودية (هذي التعليمات). تلك التعليمات التي أصدرها أشخاص أكاد أشك أنهم التزموا بها ولو مرة في حياتهم ليعوا عدم جدواها وعبثها المحض. فنقطة شراء التذاكر تقبع في مكان بارز بجانب إحدى البوابات الكبيرة، التي بمجرد عبورها تجد نفسك أمام بوابة المدرج المخصص لك. فمنطقيًا، اشتر تذكرتك واذهب إلى مقعدك، ولكن تنظيميًا هذا مخالف للنظام المقدس في الاستاد. فبعد شراء التذكرة وبعد أن كنت على مسافة أمتار قليلة من مقعدك، يتعين عليك أخذ ما يقارب نصف لفة كاملة على السور الخارجي للملعب للدخول من بوابة محددة، تمر خلالها على عدة بوابات محظور عليك استخدامها، لتعود مجددًا للنقطة نفسها التي كنت أمامها قبل فترة ليست بالقصيرة لمجرد العبث لا غير.
مشكلات الحضور في الملعب متعددة، وإن أردنا الحديث عنها جميعها من حيث الخدمات والتنظيم السيء والتعامل السيء من المنظمين باعتبارك ضيفًا ثقيلاً أو مشكلة يجب التخلص منها في تسعين دقيقة لاحتجنا كثيرًا من المقالات.
كل ما على المنظمين هو القيام بتجربة الدخول الكاملة للمشجع ليعلموا حينها أن أنظمتهم ليست لتسيير الحضور، بل لمنعه. والله المستعان.
خاتمة...
إذا صفا لك زمانك عل يا ضامي
اشرب قبل لا يحوس الطين صافيها
(خالد الفيصل)