د.علي القرني
خريج مدرسة الـ«كي جي بي»، وصاحب حلم عودة الإمبراطورية السوفيتية فلاديمير بوتن الرئيس الروسي، وجد منطقة الشرق الأوسط منطقة خصبة ليعبث فيها، بعد انتكاساته في أوكرانيا، وتضعضع الاقتصاد الروسي.
وقد تبدى لنا الوجه القبيح لهذه الشخصية من بصماته التي يريد أن يضعها على تراب المنطقة، ويريد أن يخلق له مساحة حضور كيفما يكون هذا الحضور، ولكنه حضور دموي يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية، إضافة إلى رغبته في التواجد على الأرض السورية بغض النظر عن هذه الدماء التي تسيلها طائراته من الدماء السورية البريئة.
وقد أتاح الرئيس باراك أوباما بامتياز له أن يحقق هذه الأحلام التي يعيشها في عودة روسيا السوفيتية إلى المنطقة العربية، نتيجة ضعف وتردد القرار الأمريكي ومعه الغربي في حسم الأمور.
ولو تم تنفيذ الضربات الجوية على معاقل الرئيس بشار الأسد عندما تم حشد تأييد دولي كبير لهذه الضربة، كان قد أمكن للرئيس باراك أوباما أن ينقذ على الأقل أكثر من مائة ألف مواطن سوري دكتهم البراميل المتفجرة للنظام وطائرات سلاح الجو الروسي.
إن التراخي الدولي أمام حسم الأمور على الأرض هو ما فسح المجال للرئيس بوتن أن يأتي بقضه وقضيضه في محاولة لتثبيت حكم الرئيس السوري بشار الأسد، ووجد بوتن بشار الأسد مطية مناسبة لركوب موجة العودة لمنطقة الشرق الأوسط كآخر محطة يتشبث بها الوجود الروسي.
إن التواجد الروسي في منطقتنا سيكون مرحباً به لو كان عبر علاقات اقتصادية أو ثقافية أو حتى تعاون عسكري، ولكن مثل هذا الحضور الدموي الذي ولدته ثقافة الـ»كي جي بي» وتصفيات ستالين الشهيرة ودبابات برجنيف لن تثبت لنا إلا الوجه القبيح لروسيا في المنطقة، وستباعد بين شعوب المنطقة وبين السياسات الروسية، ولا أقول الشعب الروسي لأن الشعب الروسي ودود واجتماعي بطبعه، ولكن ستباعدنا حتماً عن النظام الروسي الدموي.
استطاع فلاديمير بوتن أن يزيح القناع عن وجهه الذي كان يتلبس به خلال السنوات الماضية، ويكشف لنا عن وجهه القبيح، الذي اكتشفناه في القذائف الروسية على المدنيين في سوريا في مناطق المعارضة، كما اكتشفنا كذلك أن التلويح بالحل السياسي الذي كان يقوده بوتن ليس إلا مناورة روسية هدفها تدمير كل فرص الحلول الممكنة على الأرض.
وهذا ما تثبته المواقف الروسية -حاليا- التي تتذرع بعدم موافقة روسيا على تمثيل المعارضة السورية، فبوتن يريد معارضة موالية لنظام بشار الأسد، وليس أي معارضة.
إن حلم بوتن في استعادة أمجاد الإمبراطورية السوفيتية في منطقة الشرق الأوسط قد يتحقق مؤقتا ما دامت الطائرات الروسية تقصف المدنيين وتدمر المستشفيات والمدارس وتقضي على البنية التحتية للمدن السورية، قد يكون هذا الحلم مؤقتا وقد يستمر لبعض الوقت، ولكن المؤكد أن بوتن سيستفيق يوما من الأيام القريبة المقبلة، وسيجد روسيا تدعم دولة بشار الدموية التي ستتقلص إلى دويلة صغيرة تضم بشار وبعض قياداته وطائفته، ولن تعود سوريا كما كانت بعد تقتيل أربعمائة ألف سوري، وتشريد تسعة ملايين سوري.
سيكتب التاريخ أن بوتن هو شريك بشار الأسد في حرب إبادة جماعية للمدنيين في سوريا، ولم نكن مستغربين أن نظام بشار يدك المدنيين السوريين الأبرياء خلال السنوات الماضية، ولكن أشد استغرابنا هو أن تقوم الطائرات الروسية بدك المدن وقتل المدنيين وتدمير البنى التحتية، فهذه سياسة جديدة لروسيا أطلت من خلالها بوجهها القبيح على المنطقة.
نعم سيكتب التاريخ أن ما تقوم به روسيا ومنذ بداية الأزمة السورية هي محاولة لإيقاف عجلة التغيير في سوريا، ولكن العجلة قد تحركت ولن تستطيع روسيا أن تفرض نظام بشار على السوريين للأبد.
روسيا بوتن قد تكسب المعركة ولكنها حتما ستخسر الحرب، ستخسر القيم الإنسانية التي كنا نتوقعها في روسيا الديمقراطية، وستخسر شعوب المنطقة العربية، وستخسر مبادئ حقوق الإنسان، وستخسر المستقبل.
روسيا بوتن هي وجه قبيح في المنطقة أراد إبقاء النفوذ الروسي على أشلاء السوريين من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين، تريد روسيا أن يستمر نفوذها وهي تقصف المدارس والمستشفيات والمباني المدنية، كما أن لحظة الحقيقة انكشفت، فروسيا لم تأتِ إلى سوريا لضرب داعش، لأن داعش هي صديق النظام ووليده، بل جاءت لضرب المعارضة الحقيقية للنظام السوري، وهذا ما أثبتته الوقائع على الأرض.