أ.د.مساعد بن عبدالله النوح
ليس من الذكاء المهني أن يتصرف الفرد الذي يمثل الكيان الذي ينتمي إليه دون تخطيط، كأن يلجأ إلى الاستعانة بقنوات لأغراض شتى كالتلميع، أو تبرير عمل ما، أو التهيئة لعمل لاحق؛ لأن سلوكه سيفسره رجال الفكر والعلم والقلم بالتخبط أو الارتجالي. وهذا بلا شك ينعكس على سمعته بل وسمعة كيانه الذي يمثله.
الحراك الإيراني الحالي أنموذجًا حيًا للفرد المتخبط، إِذ مارس - ولا يزال- النظام الإيراني أعمالاً عبثية في عدد من دول المنطقة ولا سيما دول الخليج منذ الثورة اللعينة التي أشعلت فتيل الطائفية المقية؛ لاستعادة ما يمكن تسميته بالحلم القديم الذي يسمى بشرطي الخليج مستخدمًا كل إمكاناته وبكل جرأة ضاربًا عرض الحائط حقوق الجوار والأعراف الدولية.
إن البدء بحملة عالمية ضد إرهاب نظام إيران، وفضح الأعمال الإجرامية الإرهابية التي ينفذها النظام الإيراني، وأعوانه، ومرتزقته في المنطقة، إضافة إلى تهديدها الأمن، والسلام الدوليين، والديمقراطية، وحقوق الإنسان في الداخل، والخارج، أصبح أمرًا واقعًا، وحقًا مشروعًا، لا يمكن التخلي عنه.
لذا جاء الرد السعودي الذي تمثل في قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وطرد السفير الإيراني، وإيقاف جميع الأنشطة السعودية مع إيران، كلها ردود أفعال سعودية قوية وسريعة ومتتالية وغير متوقعة. أعتقد أنها أصابت الجانب الإيراني بالدهشة، الأمر الذي دفعها إلى أعمال غير منضبطة؛ لأنه اعتاد على فعل الخطأ، واعتاد على الرد السعودي الهادئ، وزد على ذلك الالتفاف العربي وبعض الدول الإسلامية وبعض دول أوروبا وروسيا والصين وكندا مع المملكة العربية السعودية في حقها في إدارة شؤونها الداخلية، وحق الدفاع عن السفارة والدبلوماسيين السعوديين في إيران، وترتب على ذلك اعتذارها للسعودية فكان الرد السعودي وذلك على لسان مندوبها لدى الأمم المتحدة الأستاذ عبدالله المعلمي الذي نشره موقع صحيفة البيان نيوز في 5-1-2016 بأن السعودية تريد أفعالاً لا أقوال.
لقد رصدت أمثلة على التخبط الإيراني في مواجهة الغضب السعودي والموقف الدولي المؤيد للإجراءات السعودية حيال التصرف الإيراني الأحمق:
التخبط الأول:
نشر موقع صحيفة وطن في يوم 11 يناير 2016 تصريحًا لوزير خارجية إيران ونصه «أغلب منفذي العمليات الإرهابية في العالم غسلت السعودية أدمغتهم بأموال البترول»... لقد تناسى رجل الدبلوماسية الأول في نظام إيران تقرير الخارجية الأمريكية الصادر عام 2014 الذي نشره موقع صحيفة السكينة الإلكتروني في 18-11-2015 حيث اعتبر الإرهاب الذي يمارسه النظام الإيراني جزءًا مهمًا في السياسة التي رسمها، تحت مسمى «إرهاب الدولة»، ووصف النظام الإيراني بأنه أسوأ نظام حكم على مدى التاريخ الإِنساني، لأنه الراعي للإرهاب، والداعم له في العالم، حيث الاضطهاد، وتصدير الإرهاب، وانتهاك حقوق الإنسان الإيراني، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.? وحدد التقرير ثلاثة أعمال كافية لرسم صورة عن الإرهاب الذي تمارسه إيران، ودورها التخريبي في المنطقة، والعالم، وهي:
- دعمت إيران في عام 2014 الجماعات الإرهابية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط في سوريا، ولبنان، والعراق.
- وصلت أنشطة إيران الإرهابية إلى مناطق أخرى في العالم، كقارات إفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية.
- انفقت إيران مبالغ كبيرة؛ لملء جيوب الإرهابيين في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك في اليمن، وسوريا، ولبنان، وقطاع غزة. إِذ تراوح ميزانية الدفاع الإيرانية بين «14 و30 « مليار دولار في السنة، يذهب كثير من هذا المال؛ لتمويل الجماعات الإرهابية، والمقاتلين المتمردين في جميع أنحاء المنطقة، وتوزع كما يلي:
من (100 إلى 200) مليون دولار سنويًا على حزب الله اللبناني، و(3.5) مليار دولار سنويًا؛ لدعم نظام بشار الأسد، و(12 إلى 26) مليون دولار سنويًا على الميليشيات الشيعية في سوريا، والعراق، و(10 إلى 20) مليون دولار لدعم الحوثيين سنويًا، وعشرات ملايين أخرى سنويًا؛ لدعم حماس في غزة. وبين (500 إلى 1000) دولار شهريًا للقتال إلى جانب قوات الأسد.? وقد كشف المقاتلون الأفغان في سوريا عن تلقيهم التدريب في إيران؛ من أجل القتال في سوريا، حيث يحصل هؤلاء المتشددون على رواتب من طهران، تتراوح قيمتها بين (500 إلى 1000) دولار شهريًا.
- صرح المرجع الشيعي اللبناني البارز السيد علي الحسيني عن مخطط إيران الإرهابي تجاه السعودية إِذ قال: «إن المخطط الإيراني الأسود، الذي تستهدف طهران به زعزعة الأمن، والاستقرار في المملكة العربية السعودية اليوم، ونحن نشهد حدوث هجمات متفرقة لتنظيم داعش ضد السعودية، جاءت متفقة، ومتناسقة مع الخط العام للدور المنوط بهذا التنظيم، فإننا يجب أن ننتبه جيدًا إلى أن معظم مقاتلي تنظيم داعش، قد زاروا إيران، أو قد جاؤوا من خلالها، حيث ثبت أن هناك تأشيرات إيرانية على جوازات سفرهم».
التخبط الثاني:
نشر موقع صحيفة شؤون خليجية في 11 يناير 2016 خبرًا عن أن «إيران تنوي تسمية شارع باسم نمر النمر وضبط 66 متورطًا بالاعتداء على السفارة السعودية». على اعتبار أن السعودية قد يصيبها توجس من تسمية الشارع المقابل للسفارة باسم المعمم الشيعي نمر النمر الذي تم تطبيق حد الشرع فيه ضمن (47) إرهابيًا؛ لتذكير السعودية بما زعمت ادعاء أنه بشاعة الحكم عليه والاعتداء على الشيعة.
التخبط الثالث:
نشر موقع صحيفة الوطن المصرية في 3-1-2016 «الأزمة السعودية الإيرانية منذ اقتحام سفارة المملكة بطهران وحتى استنكار روحاني» وهذا الاستنكار ضمن سلسلة خلافات بين الحرس الثوري والرئيس الإيراني حسن روحاني حول السعودية. إِذ يحظى الحرس الثوري بدعم كامل من المرشد الأعلى الإيراني علي خامئني.
التخبط الرابع:
لجوء محمد جواد ظريف إلى الإعلام الغربي، حيث كتب ظريف افتتاحية صحيفة نيورك تايمز في10-1-2016 بعنوان» التطرف المتهور في السعودية». ومن أبرز ما جاء فيها من مزاعم وأكاذيب «أن الرئيس الإيراني حسن روحاني قد أعلن مرارًا أن أولويات السياسة الخارجية الإيرانية هي الصداقة مع جيراننا، والسلام، والاستقرار في المنطقة، والتعاون العالمي، وخصوصًا في مجال مكافحة التطرف، وتأسف وبشدة من وقوف بعض الدول في طريق المشاركة البناءة، ومنها السعودية. حيث قال بأنها تجند إمكاناتها لرعاية التطرف، ودافع عن نمر النمر ووصفه ضمن أكاذيبه بأنه رجل دين كان يحظى بالاحترام؛ بسبب تكريس حياته لتعزيز نبذ العنف ومراعاة الحقوق المدنية. وأضاف أن الهجمات الإرهابية بدءًا من 11سبتمبر وما بعدها ودعم القاعدة وجبهة النصرة والحرب في اليمن واستفزاز إيران كانت بإمكانات سعودية.
التخبط الخامس:
أطلقت عناصر إيرانية وعراقية ولبنانية صواريخ من اليمن نحو الأراضي السعودية مساندة للحوثيين، هذا ما صرح به الناطق باسم الجيش اليمني ونشره موقع صحيفة المرصد في 12-1-2016.
صدقًا حراك إيراني متخبط جاء نتيجة لطلب السعودية بأفعال لا بأقوال على خلفية الاعتذار الإيراني. كل ذلك بسبب الشعور بألم الجانب الإيراني من الموقف السعودي بقراراته ونجاح دبلوماسيته في توضيح خلفيات العبث الإيراني في الشأن السعودي.
لكني أتمنى أن يستمر التطويق السعودي للحراك الإيراني لا سياسيًا أو أمنيًا، بل إعلاميًا وفق سيناريوهات مخططة واقترح:
السيناريو الأول، ومعنية به وزارة الشؤون الإسلامية، إِذ عليها مخاطبة المراكز الإسلامية في الغرب وأمريكا الشمالية بتناول الاعتداءات الإيرانية على السعودية منذ الثورة البائسة في خطب الجمع، كما عليها الاستفادة من علاقات المراكز الإسلامية مع دور العبادة المسيحية واليهودية وغيرها لتوضيح موقف الجانب السعودي.
السيناريو الثاني، ومعنية به وزارة الثقافة والإعلام ممثلة بوكالة الوزارة للإعلام الخارجي لإقامة معارض عن الاعتداءات الإيرانية على غرار معارض المملكة بين الأمس واليوم الشهيرة، ويدعى لها مختلف أطياف المجتمعات الغربية، والاستفادة من القنوات الشهيرة وإمكانات الأقلام الغربية والصحف الدولية؛ نظرًا لثقة الإنسان الغربي بها، وبالتالي قدرتها على تشكيل اتجاهاتهم. لا يجب السكوت على التخبط الإيراني بعد اليوم، فقد اتخذت السعودية موقفًا صريحًا دبلوماسيًا وتجاريًا حياله والإعلام له دور كبير في تشكيل الرأي العام.
حفظ الله بلادنا من كيد الكائدين... آمين.