نجيب الخنيزي
شهدنا في مطلع عام (2009) وضعاً مشابهاً لعام 1998م على صعيد التذبذب الحاد لأسعار النفط حين هوى سعر برميل النفط إلى 34 دولاراً، وهو أدنى مستوى له خلال خمس سنوات بعد أن وصل إلى ذروته في يوليو 2007 حين لامس أكثر من مائة دولار للبرميل، غير أنه عاد مجدداً إلى الارتفاع ليستقر ما بين 70 و80 دولاراً، ثم ارتفع مجدداً ليتجاوز 125 دولاراً في يونيو 2014، غير أنه عاد للانخفاض بحدة مجدداً حتى وصل إلى أقل من 30 دولاراً في شهر يناير (2016) الجاري فاقداً بذلك أكثر من 70% من قيمته. التذبذبات الحادة في أسعار البترول والتي هي إحدى إفرازات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وتخمة سوق النفط العالمي أثرت بشكل حاد على الناتج المحلي الإجمالي والإيرادات العامة للدولة كما هو واضح في الإعلان عن عجز الموازنة العامة للسنة الثانية على التوالي، كما شمل التراجع الميزان التجاري، والحساب الجاري.
هذه الأوضاع والتحديات تتطلب مراجعة شاملة لمختلف جوانب العملية التنموية بأبعادها المختلفة، وهو ما يستوجب مشاركة القطاع العام والقطاع الخاص وكل الفعاليات والهيئات الرسمية والشعبية في رسم إستراتيجية تنموية شاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع المعطيات وعوامل القوة والضعف على حد سواء. إن تطوير وتنويع القاعدة الاقتصادية يتطلب زيادة الإنفاق الاستثماري على المشروعات الإنتاجية (صناعة، زراعة) والخدمية والبنية التحتية ومجالات البحث العلمي/ التقني وتطوير الموارد البشرية. إنجاز مجمع بترو رابغ العملاق وافتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية يمثلان خطوة مهمة ورائدة على هذا الصعيد. غير أنه لا يزال هناك متطلبات ضخمة لتجاوز الطابع الأحادي لاقتصادنا، فالقطاعات (بما في ذلك الصناعات البتر وكيماوية التي تمثل المورد الثاني من حيث الأهمية) والدورة الاقتصادية ككل أسيرة لحال التذبذب الحاد في أسعار النفط الذي يشكل 90% من إجمالي التصدير، وحوالي 70 إلى 90% من الموارد المالية للدولة، ويشمل ذلك القطاع الخاص الذي لا يزال يعتمد بقوة على الدولة ومشاريعها، وهو مؤشر واضح على تبعيته وعدم قدرته الذاتية على النمو.
من المهم الحفاظ على جدوى وفاعلية قطاع الدولة، ما يتعين بذل المزيد من الجهود لتنويع القاعدة الاقتصادية، وتفعيل وتطوير الموارد البشرية والإنتاجية، والعمل على إزالة المعوقات الإدارية والبيروقراطية، ومكافحة الفساد، والتدقيق فيما يتعلق بالخصخصة إزاء القطاعات الاقتصادية والخدمية الأساسية التي تمس بشكل مباشر الثروة الوطنية الأساسية ومصالح الناس والأجيال القادمة، وتطوير وسن قوانين وأنظمة جديدة للعمل الإداري والوظيفي، واستخدام نظام الحوافز والمكافآت بغرض رفع مستوى الإنتاجية وتشجيع العاملين، إضافة إلى دعم القطاع المختلط، وتقديم الحوافز للقطاع الخاص (المحلي والأجنبي) وتشجيع عودة الرساميل السعودية المهاجرة والتي تقدر بحوالي ثلاثة تريليون ريال (800 مليار دولار) مما يتطلب إزالة المعوقات البيروقراطية من أنظمة وإجراءات عتيقة، وتحديث تشريعات وقوانين الاستثمار الخاص والأجنبي بما لا يتعارض مع المصالح الوطنية.