فوزية الجار الله
لم يحدث يوماً أن كنت عاشقة محبة للقطط، ولا حتى معاشرة لها..
على العكس تماماً ربما لأننا أسرة تنتمي إلى نجد فلدينا مبدأ شائع كما هو حال الأغلبية الساحقة من الأسر التي نشأت هنا، فأهلنا ليسوا من محبي الكلاب أو القطط لأسباب صحية وربما اجتماعية، بل درجنا على إبعادها عن المنزل أولاً بأول وعدم تعويدها على البقاء فيه، البعض يرى بأن تربية القطط تُعتبر عملاً هاماً مثيراً ومدهشاً لا غرابة فيه فهو كما هو الحال في المجتمعات الغربية أما لدينا فالبعض يراها رفاهية والبعض الآخر يراها فراغاً وعبثاً إضافة إلى الرفاهية أو «الهياط» كما يقال والبعض الآخر يراه رحمة وإنسانية، وهذا ما حدث في الأيام الماضية. وصل إلى منزلنا قط وافد من الخارج، أقصد كان في المنطقة المجاورة لمنزلنا.. القط أشقر جميل «ذَكَر»، كان واضحاً أنه قط أليف، نشأ في بيت لأحد الذوات، نظيف، مؤدب غير مشاغب على العكس بل يبدو جباناً تخيفه الصرخة أو الصوت العالي فيفر جارياً إلى أبعد نقطة بعيداً عن مصدر الصوت المخيف.
بدأت الحكاية عند أحد أفراد المنزل بأن أخذ يطعمه ويعطف عليه، ثم بدأ يطوف حولنا، ثم جاء دوري لم أكن أنفر منه أو أتجنبه وإنما كنت أتركه يفعل ما يشاء فيبادر حين يراني قد جلست على الأريكة إلى الجلوس بجانبي بحثاً عن احتواء، وغالباً يطلب الجلوس في حضني مثلما الطفل.. حالما يأتي إلى جانبي أتذكر بعض مشاهد الفيلم القديم «جيمس بوند» التي يظهر فيها رجل يضع قطاً في حضنه، يداعبه ويلاعبه، يبدو المشهد غامضاً في البداية فأنت لا تدري من هو هذا الرجل ولماذا يعيش وحيداً ولا لماذا يضع القط في حضنه.. وقد تكتشف أن حدث مرة وتابعت هذا الفيلم حتى النهاية أن هذا الرجل ليس إلا رئيس عصابة للمخدرات وهكذا فقط انطفأت وغابت المشاعر الإنسانية التي كانت واضحة في بداية المشهد.
أعود إلى قطنا الجميل الذي اعتدنا حركاته اللطيفة، إن أراد أحد مغادرة المنزل جرى أمامه وخرج وأخذ يرقبه من زاوية ليست بعيدة عن عتبة المنزل وإن دخل ابن شقيقي الشاب من خارج المنزل جرى إليه يستقبله ويرافقه وهو يصعد السلالم متوجهاً إلى غرفته وربما يتقدمه بخطوات وهو يقفز مبتهجاً.
ذات مساء لم يعد صوته يصل أسماعنا، خرج القط ولم يعد إلى الآن. لا أخفيكم أحسسنا بفقده. واشتاقت أسماعنا لصوته. عندها تساءلت سبحان الذي وضع إنسانية الإحساس في أرواحنا تجاه كل كائن حي.. فأي وحوش مفترسة تلك التي تشعل الحروب فتقتل الأطفال والنساء والشيوخ وتهدم البيوت وتشرد أبناء البشر؟ أي نفوس تلك التي تحوّلت من كونها بشراً إلى كائنات أخرى لا تجد وصفاً لها؟!