أحمد محمد الطويان
منذ 1954 أصبح للإعلام السعودي كيان إداري، ووظيفة سياسية، وكان قبل هذا التاريخ مجرد اجتهادات لا تغفل دور الإعلام ولكنها محدودة التأثير، وقد تكون متناسبة مع ظروف المرحلة.
المملكة لها حجم سياسي كبير ومؤثِّر، وتتعرض دائماً لحملات تشويه أو هجوم في كل الأزمنة وباستخدام كل أدواتها المتاحة، في مرحلة من المراحل المهمة وتحديداً عام 1935 أمر الملك الراحل عبدالعزيز بتأسيس لجنة حكومية للدعاية..
.. وهدفها مواجهة الخطاب الإعلامي المضاد، والذي يبنى على أكاذيب في الغالب، وقليل ناتج عن الفهم الخاطئ.
إذاً نحن أمام مواجهة مستمرة للإعلام المضاد، وللخطاب الذي يستهدف الصورة الذهنية لبلد مهم في العالم، ويرتبط به المسلمون دينياً ويعتبرونه ممثلهم القوي سياسياً. نتطور دائماً في عملنا الإعلامي، ويبقى التطور أقل سرعة وحجماً من سرعة وحجم المهاجمين، ولكن فهم إعلامنا ما يجري حوله في السبعينات، وقرَّر التحول إلى إعلام مؤثِّر في الخارج، وكوّن علاقات وفتح جسوراً للتواصل، وبدأ المستثمرون السعوديون يتحركون في هذا الاتجاه، حتى أصبحت السعودية اللاعب المؤثِّر إعلامياً في منطقة الشرق الأوسط، ولكن بقيت مشكلة عدم وصول المعلومة إلى الخارج بشكل وصحيح، وكان إعلامنا أحادي اللغة، ويستهدف العرب، وهذا غير منطقي، وأهم إنجاز تحقق كان إطلاق قناة تلفزيونية ناطقة بالإنجليزية عام 1983وكانت تخاطب الداخل، والجاليات الأجنبية، وتكمل ما تقطعه القناة الأولى من برامج ومباريات!
اليوم قرَّر إعلام الدولة أن يخاطب العالم بلغته، وأن يذهب إلى وسائل الإعلام العالمية بلغاتهم من خلال عمل تحريري يراعي تفاصيل سياسية بالغة الأهمية، وهذا توجه سيحدث ثورة اتصالية لصالح السعودية، وسيجعلها أكثر قرباً من العالم، وسترد على المسيء بالمعلومة الصحيحة التي لا تحتاج إلى ترجمة تشوبها الميول وتعكرها المصالح، سنقول بلغتهم ما نريدهم أن يفهموه، لا ما يريدون إقناع متابعيهم وجماهيرهم به، هذا من عناوين مرحلة جديدة للإعلام السعودي، ومن خلال روح جديدة دخلت في جسد وكالة الأنباء السعودية، أنطقها الحراك الكبير بست لغات.
سيكون لوكالة الأنباء السعودية هوية جديدة، وخدمات عصرية لا تقدّمها أي وكالة أنباء رسمية في منطقتنا على الأقل، وكالتنا «واس» ستحاكي التجارب العالمية الناجحة في نقل الصورة والفيديو والمعلومة باللغة الإنجليزية والفارسية والصينية والروسية والفرنسية، وبقانون تحريري موحّد، وبأيدي سعوديين تعلموا هذه اللغات في مواطنها، فرق تحريرية متعدّدة المهام، وفريق ملتميديا متطور، ومبنى جديد، يشكّل مركزاً إعلامياً عصرياً يليق بدولة أصبحت أكثر إيماناً بالتنمية، وأكثر إصراراً على إسماع صوتها، وأكثر قدرة على إثبات فعاليتها الديبلوماسية، ومرتكزاً مهماً في السياسة والاقتصاد. لن نسمع أعذاراً من الزملاء الصحافيين حول العالم، فالسعودية جاءت إلى صحفهم وقنواتهم وإذاعاتهم بلغتهم، وبالمعلومة الصحيحة والموثّقة، وبالصورة النقية الواضحة.
أصبح إعلامنا منذ 2015 أكثر وعياً بالسياسة، أكثر التصاقاً بواجباته، أكثر طموحاً.. يحسب لوزارة الإعلام والثقافة أنها لا تثرثر عن مشروعاتها، وتتحدث فقط عندما يكون الحديث عن الدولة، لتؤدي وظيفتها، وستترك باعتقادي للناس استشعار ما يحصل ومدى التأثير وفعالية التغيير، مؤمن هذا الجهاز بروحه الجديدة، بأن من يتحدث كثيراً لا يجد وقتاً للكلام، وهذه حكمة سعودية تمثّل نهجاً لثقافة الحكم، وتحدث عنها ذات مرة الأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز.. لا تستغرب عندما تستيقظ من نومك وترى منجزاً كبيراً أو تغييراً غير متوقع في المحتوى والشكل والأسلوب في إعلامنا الموجه للداخل أو الخارج، وورشة العمل كما ينقل بعض من يسمعون ضجيج آلاتها، تعمل ليل نهار وتحضر لتحول وفق رؤية، ويشبهون ضجيج آلاتها بمعزوفة كلاسيكية متناغمة، ستعلو ويسمعها العالم في الوقت المناسب.
الوعي السياسي في هذه المرحلة مطلب رئيس، وقليل هم الذين يعون حساسية المرحلة فعلاً وليس قولاً، ومن يعشق الفعل لا تغريه نشوة القول تحت الأضواء.. هناك من يعملون ليكون وطنهم في الضوء فوق كل أرض وتحت كل سماء.. إعلام قوي ومؤثّر بعقول وسواعد سعودية.