د. حمزة السالم
(10×10) أول برنامج لفت الأنظار داخل السعودية لأهمية الاهتمام بالمؤشرات الدولية. وعلى كل حال، فليست التفاصيل هي شاهدنا هنا، ولا اللت والعجن في الماضي بسلوك عاقل، ما لم يكن لقصد فائدة يستفاد منها ودرس يُتعلم منه من أجل فهم لمشكلة قائمة، أو لأجل تجنب خطأ محتمل.
وتجربة تجميل الأرقام القياسية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها، هي محل الدراسة اليوم.. ونقاش مؤشر التنافسية، سبق وأن تنازعه اتجاهان. الاتجاه المعارض الذي يرى أن هذا كله من باب الاحتيال، فالكل يعرف أن بعض الدول الأكثر جاذبية منا حينها أعلى تنافسية من السعودية، وإن صور المؤشر عكس ذلك. وأما الاتجاه الثاني الذي غلب حينها، فمرتكزه أن تحقيق بعض من شيء خير من القعود عن الكل. فارتفاع مؤشر التنافسية ولو بالتركيز على بنود هامشية إلا أنه مقدور عليها، سيصحح الانطباع السائد السابق، فيعطي المستثمر الأجنبي انطباعا قويا بأن السعودية أصبحت تحرص على الاستثمار الأجنبي لنقل الخبرات وتنويع الاقتصاد.
وأنا أعتقد أن كلا الرأيين على صواب به نقص. فالاحتيال بالحساب لا يعد احتيالا ولا كذبا، كما أن المستثمر الأجنبي المهني لن ينخدع بهذه الأرقام، فهو سيقرأ بنود المؤشر ليعلم أيا منها تخدم استثماراته وصناعته. فأي نشاط خارج قطاع النفط، لن يجلب إلا من لا تهمه الخدمات ولا الأنظمة، بل جل همه الضرائب ورأس المال المطلوب. وهذا عادة ما يكون سلوك المستثمر التعيس، ولذلك وجدت التراخيص الأجنبية التعيسة.
والتراخيص الأجنبية التعيسة ليست أثرا سلبيا في الحقيقة بل إيجابي، وإن صور الإعلام غير ذلك. فمحل الشاورما والحلاق مهما كثرت فليس لها وزن، ولم تشكل ولا واحد بالمئة من قيمة الاستثمارات الأجنبية. وغالبها لم يكن إلا مجرد تحول عن تستر تجاري محلي سابق.
ولكن الأثر السلبي الحقيقي لبرنامج 10 في 10 هو أنه خلق ثقافة تجميل الأرقام والمؤشرات في غالب قطاعات الدولة. فالخطأ الفكري يبدأ صغيرا، ثم يكبر ويتوسع حتى يُنسى السبب والداعي الذي من أجله حدث الخطأ. فالمجتمع السعودي، أخذ بفكرة الاهتمام بتجميل المؤشرات والأرقام من برنامج (10×10)، دون أن يأخذ بالأسباب التي دعت للتجميل. فلم يعد التجميل بالأرقام والمؤشرات من أجل التَجَمُل أمام الأجنبي، بل من أجل التَجَمُل أمام السعوديين. وهذا فيه تضليل، مما ينتج عنه فوضى الاستراتيجيات ويسوقها لأخطاء عظيمة.
وكانت البداية في حمل الراية من المؤسسات التعلمية. فتنافست في تجميل مراتبها العلمية العالمية، كون ذلك سببا من أسباب جذب الكفاءات. ولكن هذا السبب، سبب تابع فلا يعمل لوحده، تماما كما أن ارتفاع مؤشر التنافسية السعودي سبب لجذب المستثمر إلا أنه سبب تابع، فلم يجذب المستثمر الأجنبي الجاد، خارج قطاع النفط بينما استطاعت دول أخرى جذبه مثلا. ولكن المؤسسات التعلمية أخذت خطوة أبعد في طرقها ووسائلها التجملية، فهي أقرب للتحايلية، بأعراف الصروح العلمية. وذلك بخلاف طريقة هيئة الاستثمار الحسابية، التي لم يكن فيها تحايل ولا انتساب لفضل ليس لنا فيه شيء.
واليوم، فأنا أعتقد أن طريقتنا في القضاء على البطالة صورة من صور تجميل الأرقام بالطريقة الحسابية كطريقة (10×10) إلا أنها بخلاف (10×10)، ستُخَلف معاضل عويصة ومعقدة. فملخص استراتيجية القضاء على البطالة -فيما يظهر لي- يتخلص في تحقيق مجرد التوظيف، على اعتقاد بأن السوق سيتكفل بالباقي، كالتدريب والخبرة والتطوير.
وهذا في اعتقادي، اعتقاد خاطئ تماما، بل السوق سيتكفل بإحباطهم وتركهم عالة حقيقية عائقة على الأجيال بعدهم. فالسوق السعودي فاقد لخصائص التقييم وفاقد مبدأ المكافأة. وهذه معضلة تدور حول نفسها. فالأجر يستحيل أن يتجاوز الإنتاجية إلا بخسارة يجب أن يدفع ثمنها طرف من أطراف السوق. فهي وإن كانت مشكلة مغطاة بثروة النفط اليوم، إلا أنها بلا شك قنبلة مستقبلية. فخلق الإنتاجية وتطويرها حاصل عوامل تحفيزية وعلمية وإدارية، وكلها معدومة تقريبا في السوق السعودي. وفقدان السوق لخاصية التقييم، إنما هو بسبب الاعتماد على المستشار الأجنبي. ومشكلة المستشار الأجنبي، إنما هي فرع من مشاكل سلبيات النفط. وما زال لدينا وقت للتصحيح، لتسخير المستشار الأجنبي والنفط أدوات نفع دون أن تقترن بآثارها المخُدرة اليوم والقاتلة غداً.