عبدالحفيظ الشمري
يبدو أننا قد وصلنا في تجربة عالم الإنترنت، وبالأخص وسائل التواصل الاجتماعي إلى منعطف جديد من الترف والتداعي، بل أصبح بمثابة منحدر خطير تسير فيه جُلُّ التجارب، وتكاد المرحلة لشدة قلقها أن تفقد بوصلتها؛ وتتيه في غيابات المجهول الإلكتروني المتماوج.
فالتعريف الذي أطلق على المنظومات الحديثة للعمل الإلكتروني «التواصل الاجتماعي» يمكن له أن يساعدنا في وصف أولى المراحل الهشة في العلاقة مع وسائل الإنترنت؛ إذ يجدر بنا أن نُخْرِجَ المعادلة الاجتماعية من هذا التعريف الذي قد يفقد دوره، وباتت مصداقيته بامتحان شديد، فلم يعد أحد يراهن على هذا المنجز التقني الجديد الذي عُقِدَت عليه -فيما مضى- الكثير من الآمال، فجله الآن مزيج من صور متداخلة، وعبث ومجانية، والنقل من خلاله للمعلومة في أحايين كثيرة غير أمين، بل قد يتجاوز إلى حد التزوير في بعض الحقائق؛ على نحو المعلومات، والقصص، والقصائد، والشواهد التاريخية.
فرغم صبر المجتمع وأعني بالأخص (المجتمع العربي) على هذا المشروع، التواصلي الإلكتروني والتفاعل معه من منطلقات تأويله كثيرة؛ أعطت فرصة للتجريب على مدى خمسة أعوام أو أكثر، إلا أن الأمر يبدو أنه يسير إلى عدم الجدوى، بل أن منفعته محدودة، ودوره بدأ يبتعد عن ما رسم له في تصورات وأفكار وعقول الحكماء، إذ لم يعد هذا النشاط الاتصالي راشدا، ولم يعد يضيف شيئاً إلى التجربة الاجتماعية؛ بل إن هناك من يتكهن بأنه سيصبح مع الوقت عبئاً ثقيلاً على مشهدنا الإنساني.
فحينما قيل عنه أو عرف بأنه: «إعلام المجتمع» لم تدم فرحة المتابع الفاحص بعمق لهذا النشء الجديد، إذ وجد في هذا المشروع تسطيحاً لمفهوم الإعلام، وتسويغاً لمفردات مكررة ومنقولات مشوهة، وخطابات لا تحقق المصداقية بأدنى معاييرها، ولا ترفع من أحاسيس الذائقة بأي شكل من الأشكال، بل بات المغردون يرددون الكثير من المقولات والمنقولات والصور والتعليقات، وينشرون ما عَنَّ لهم -على هذه المواقع- الكثير من الحشو المعلوماتي الرخو.
فمع هذا التلاطم والتداخل والتشابك، غابت الكتابات الجادة، وتوارت المدونات المهمة، وفقد التوثيق هويته، بل إن هناك من بات يخترق هذه المواقع في الكثير من المناسبات؛ فيزيف الحقائق، ويعبث بالتاريخ، ويتطاول على كل رمز، مع ما يلاحظ من غياب واضح للرقابة والمتابعة بصنفيها المعنوي والمادي؛ أو الوقائي والإجرائي.. أي أن الذائقة تعطلت ووسائل المتابعة والفحص والحجب لم تحقق شيئا، فبتنا ندرك أن هناك من يعبث بالمشروع الاجتماعي، وقد يستهدف قيمه الإنسانية بهذا السيل الهادر من المعلومات.
هل يمكن لنا أن نتدارك الأمر في وسائل التواصل الاجتماعي ونخلق منها عملا إنسانيا نبيلا، يحقق لنا معادلة المتعة والفائدة؟ وهل يتحول هذا المشروع إلى رؤية واقعية يستفيد منها الجميع؟.. أضف إلى هذا أسئلة أخرى تدور في هذا المضمون، وتنتظر منا إجابات ورؤى تحقق في هذا المنجز، وتمحصه، وتقف على مرحلة من نقد الذات، ومن ثم نقد المشروع؛ لعلنا نكتشف موطن الضعف فيه لنصلحه، ونجعل منه وظيفة مهمة من وظائف بناء الوعي الإنسان العصري، وألا يكون لمجرد التسلية وإزجاء الوقت.. أو يتعداه إلى أذى الآخرين بحجة الانفتاح وتدفق المعلوماتية.