فوزية الجار الله
أن نحتفي بالكلمات باعتبارها رمزاً مضيئاً رائداً من مؤشرات الثقافة عامة فذلك أمر مبهج، وأن نكرس للكتاب زمناً خاصاً وموقعاً يحتويه ويهتف بعظمته فذلك أيضاً أمر جميل يمنح الحياة ألقاً وبهاء، لكنني لم أعد أحفل كثيراً بمعارض الكتاب ولم تعد تستهويني لأكثر من سبب أولها أن المكتبات أصبحت تفيض بالغث والسمين وأن الجميع أصبحوا قادرين بسهولة على تأليف كتاب وطباعته وتسويقه في أشهر المكتبات إما بأموالهم وإما بعلاقاتهم الشخصية، حتى أصبح تأليف الكتب هدفاً بحد ذاته بغض النظر عن القيمة والجودة حيث تراجع النقد كثيراً، فلم يعد هناك من يقرأ أو ينتقد ؟!
دخلت مؤخراً إحدى المكتبات فوجدت الكثير من الإصدارات الجديدة لأسماء أقرؤها للمرة الأولى، لا أتذكر بأنني قرأت لبعضها كلمة أو سطراً واحداً في مطبوعة محلية أو خارجية، أصبحنا نستعرض أرفف الكتب على وجل وبمنتهى الحذر تماماً كما نفعل حين نتصفح وسائل التواصل الاجتماعي (التويتر على وجه الخصوص)، فقد أصبحت الأغلبية الساحقة من فئة الشباب يجمعون ماينشرونه على عجاله عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويضعونه في كتاب، من هذه الكتب وقعت عيناي على رواية كُتب على غلافها بأنه تم جمعها من خلال ماتم نشره عبر (الانستغرام)!! حسناً لا بأس وسيلة تواصل شبابية حديثة لكن الصدمة الأخرى أنني وجدتها مكتوبة باللهجة المحلية الدارجة تصفحتها قليلاً فقرأت:
(فلان.. صج أنا مثل أختك؟ / شنو هذا؟!) ( إيش فيج؟!)
ويمكن أيضاً أن تقرأ ( ثم جلسوا معاً وبعدين اطلعوا ) الألف هنا قبل الفعل طلعوا ليست خطأ مطبعياً وإنما هكذا كتبت حسب اللهجة المحكية، والكارثة الأخرى عليك أن تعرف أن الضمير المذكر هنا يشير إلى مجموعة من الفتيات، أي إناث هكذا تم تحطيم وتدمير قواعد اللغة تدميراً شاملاً !
قلت محدثة نفسي: لابأس سأدفع ثمنها واقتنيها في سبيل اكتشافها والكتابة حولها لكن الصدمة الثالثة أنني وجدت سعرها مرتفعاً، ذلك السعر الذي لايوضع إلا على كتاب أكاديمي مرجعي موثق، ولم تكن الطبعة الأولى بل كانت الثالثة! لقد تخاطفتها الأيدي وكأنما هي رواية من الروايات العالمية الشهيرة كأنما هي في مستوى (لمن تقرع الأجراس؟ لهمنجواي) أو (الحرب والسلام لتولستوي) أو على أدنى تقدير (دعاء الكروان لطه حسين؟!
سبحانك ربي.. هذا يعني حسب هذا المؤشر أن مستوى القراءة خليجياً هبط كثيراً وأصبح الجميع يبحث عن السريع السهل المكتوب باللهجية المحكية أو العبثية؟ الأمر سيان!.. آه يالغتنا العربية.. أما من رجل رشيد؟ أما من منقذ لهذا التردي لأمر الكتاب وللغتنا العربية؟!