إبراهيم السماعيل
يقال إن أردت الحكم على شعبٍ ما فانظر إلى سلوكه أثناء القيادة على الطرقات، ولو أردنا اختبار صدقية هذه المقولة لدينا فإننا بالتأكيد سنكتشف أننا شعب فوضوي من هذه الناحية على الأقل، حيث أن قيادة المركبة ومنذ الخروج من المنزل وحتى العودة إليه سالماً هي مشروع استفزازي يؤدي إلى التوتر وارتفاع الضغط بل هي صراع بقاء،
إن أغلبنا مواطنين أو مقيمين لا يكترث لأبسط قواعد السلامة المرورية أثناء القيادة ولا يحترم الأنظمة والقوانين المرورية الهادفة لسلامته هو قبل غيره باستهتار بالغ، خذ مثلاً السرعة الجنونية التي يقود بها البعض مركباتهم على الطرقات الداخلية أو السريعة معرضين أنفسهم وغيرهم لحوادث مروعة وكذلك عدم الالتزام بالتوقف عند إشارات المرور أو احترام أحقية السائقين في الانعطاف إلى الشوارع الجانبية حيث أن بعض السائقين يقف في المسار المخصص للانعطاف إلى الشوارع الجانبية فقط لأنه لا يرغب أن يكون الثاني أو الثالث أو حتى الرابع في الصف عند الإشارة غير مكترث بمن خلفه من المركبات التي تود الانعطاف ولو حدث لهذا الشخص أن أراد هو أن ينعطف إلى الشوارع الجانبية ووجد شخصاً آخر يغلق عليه الطريق لجن جنونه، كذلك عدم الاكتراث بربط حزام الأمان أو حتى قيادة المركبة وفي حضنه رضيع أو توقف شابين بمركباتهم في عرض الطريق للحديث معيقين المرور في الشارع ومتحدين بل مستفزين كل من يريد المرور في هذا الشارع ومستعدين للعراك مع كل من يحاول الاعتراض على هذا السلوك الفوضوي معتقدين أنه بهذا الفعل الهمجي تكتمل رجولتهم، وغيرها الكثير من السلوكيات الخطيرة.
إن الإحصائيات كافة ومن ضمنها إحصائيات وزارة الداخلية السعودية تفيد أن معدل الوفيات والإصابات المعيقة الناتجة عن الحوادث المرورية يعتبر من أعلى المعدلات في العالم إن لم يكن أعلاها على الإطلاق نسبةً إلى عدد السكان، إن ما تحصده هذه الحوادث سنوياً يفوق ربما كل ما تحصده الأمراض المستعصية كالسرطان وغيره مجتمعة، وإن ما يهدر من أموال نتيجةً لهذه الفوضوية يتجاوز عشرات المليارات سنوياً.
كل شعوب الأرض تعاني من مشاكل القيادة ومن عدم احترام القوانين لكن حجم المشكلة لدينا يتضح عند احتسابها بالنسبة المئوية لعدد السكان حينها سنكتشف أننا من أكثر شعوب الأرض فوضوية وتهوراً في القيادة (وهذا بالمناسبة يشمل الأغلبية الساحقة من الدول العربية) مع أن الكثير من هؤلاء الفوضويين والمتهورين عندما يقودون مركباتهم خارج الوطن حتى في بعض دول الخليج العربي يكونون أكثر احتراماً لأنظمة السير فلماذا يقل احترامهم لهذه الأنظمة أو ينعدم عندما يعودون إلى الوطن؟
هذه السلوكيات الفوضوية لابد من دراستها دراسةً وافية يشترك فيها إضافةً إلى الجهات المعنية في وزارة الداخلية علماء نفس وعلماء اجتماع والكثير من الجهات الحكومية وغير الحكومية لمعرفة مسبباتها وطرق علاجها، فمن أمن العقوبة الصارمة أساء الأدب ولابد من إعادة النظر ليس فقط في جعل القوانين أكثر صرامة وشفافية بل جعل الطرقات كافة أكثر رقابة، لكن قبل هذا لابد أن تبدأ عملية إصلاح هذه السلوكيات الفوضوية منذ الصغر وفق خطة مدروسة بعناية قد تمتد لعشرين سنة قادمة وربما أكثر وعدم الاكتفاء بالحملات الإعلانية التوعوية الموسمية أو الحملات المرورية التي تتم بين وقتٍ وآخر بل يجب أن تكون مادة السلامة المرورية مادةً أساسية ضمن مناهجنا التعليمية منذ الابتدائي وحتى الجامعة، إن ما يزهق من أرواح وما تخلفه حوادث المرور من إعاقات دائمة هو إهدار لثروتنا البشرية إضافةً إلى الهدر الهائل للثروة المالية.
فهل حان الوقت لإعطاء هذا الموضوع الخطير ما يستحقه من جدية واهتمام؟ والذي في حال نجاحه قد يؤدي بطرق غير مباشرة لإصلاح كثير من سلوكياتنا الخاطئة الأخرى، فتعلم احترام النظام هو البداية لتطور الأمم.